أيهما أفضل لتعليم الأطفال؟ أجهزة الكمبيوتر أم الكتب؟
غالبًا ما يضع المعلقون الكتب في مواجهة أجهزة الكمبيوتر باعتبارها أفضل أدوات التعلم لتعليم الأطفال. لكن كلاهما رائع في ظروف مختلفة. كما إن هذا النقاش يصرف الانتباه عن المشكلة الحقيقية في التعليم الفقر والفساد.
قال الفيلسوف اليوناني القديم سقراط إن كتابة الأشياء من شأنها أن تجعل الناس ينسون. الآن، بعد آلاف السنين، اكتشفنا سذاجة هذه المقولة وسطحيتها، ونحن في موقف محظوظ لأننا قادرون على مناقشة تفكير سقراط، على وجه التحديد، لأنه مكتوب.
فالقول الفصل في هذه المسألة هي ما قاله الإمام العبقري محمد بن إدريس الشافعي:
العلم صيد والكتابة قيده
قيد علومك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتتركها بين الخلائق طالقة
غالبًا ما يقول المعلقون إن الكلمة المكتوبة “الكتب” هي الأفضل وأن أجهزة الكمبيوتر تؤثر سلبًا على التعلم، لأنها تلهي الأطفال عن التعلم. وتقريبًا لنفس الأسباب التي جعلت سقراط يعارض تدوين الأشياء: النسيان، عندما تكون الذاكرة حجر الزاوية في التعلم. قد تتساءل: ما الذي فعله الناس ضد التقنيات الجديدة؟
مع تحول المزيد والمزيد من الفصول الدراسية من الكتب المطبوعة إلى الكتب الرقمية وغيرها من المواد، يبحث الباحثون في تأثير ذلك على تعلم الأطفال.
وهذا المجال جديد والأدلة مختلطة، فلا يوجد إجماع علمي حول ما إذا كانت الكتب أو الأجهزة الرقمية أفضل لتعلم الطفل.
على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات التي أجريت في المدارس الابتدائية في هندوراس أن استبدال الكتب المدرسية بأجهزة الكمبيوتر المحمولة لم يحدث فرقا في تعلم الطلاب في النهاية. حيث لم يكن إيجابيا ولا سلبيا.
ولكن أليس من المنطقي أن كلا شكلي التعلم “المطبوع والرقمي” يمكن أن يكونا فعالين، أم لا، اعتمادا على الفرد والموقف؟ دعونا نحفر أعمق قليلا.
التعلم المبكر يعيد توصيل الدماغ
من المهم أخذ علم الأعصاب في الاعتبار هنا لأنه يمكن أن يساعد المعلمين في اختيار الأدوات التي سيتم استخدامها في مراحل مختلفة من نمو الطفل. وقد أظهر لنا علماء الأعصاب أن التعلم وتكوين الذاكرة يعملان على إعادة توصيل الدماغ جسديًا.
الدماغ “بلاستيكي”.. فهو ينمو ويقلم الروابط بين الخلايا العصبية أثناء تكوين الذكريات والتعلم والنسيان. وهذا صحيح في جميع الأعمار، ولكن الدماغ يكون مرنًا بشكل خاص خلال مرحلة الطفولة. علاوة على ذلك تعتمد مرونة الدماغ بشكل كبير على تجاربنا وبيئتنا.
مرونة الدماغ
كذلك أظهرت الدراسات أنه كلما كانت بيئة التعلم لدينا أكثر ثراءً خلال مرحلة الطفولة، كلما زاد عدد “الأشياء” التي نتعلمها. ولكننا أيضًا نغير الطريقة التي تتعلم بها أدمغتنا أشياء جديدة لبقية حياتنا.
وأفضل مثال هنا هو تعلم اللغة. حيث يتعلم الأطفال لغة ثانية بسهولة كبيرة مقارنة بالبالغين، لأن دماغهم أكثر مرونة.
والأكثر من ذلك، أن البالغين الذين تعلموا لغتين في مرحلة الطفولة يمكنهم تعلم لغة ثالثة بشكل أسرع بكثير من البالغين الذين تعلموا لغة واحدة فقط في مرحلة الطفولة، حيث تم تدريب أدمغتهم على تعلم اللغات.
وعلى الطرف الآخر من الطيف، فإن الحرمان الحسي أثناء الطفولة يغير الدماغ بشكل دائم نحو الأسوأ. فالأطفال المحرومون من تجارب مختلفة، قدر أقل من اللمس والتفاعل مع البالغين، على سبيل المثال، عدد أقل من المشاهد والأصوات، وقلة إمكانية الوصول إلى التعلم، يمكن أن يتطور لديهم أدمغة أصغر. في كثير من الأحيان لا يمكن عكس هذه التغييرات في وقت لاحق من الحياة.
فوائد تجارب التعلم الأكثر ثراءً
ماذا يعني هذا بالنسبة للتعليم؟ يحتاج الأطفال إلى التعرض لأكبر عدد ممكن من أنواع أدوات التعلم المختلفة، الرقمية منها والمادية.
قد يعني ذلك اللجوء إلى الكتب والكتابة اليدوية لتكوين معرفة دائمة حول شيء ما. وتشير الدراسات إلى أن عملية الكتابة تتطلب من الدماغ أن يكون مشاركًا نشطًا في عملية تدوين الملاحظات. لكن الدماغ يكون أقل نشاطًا عند الكتابة، لذا فإن الكتابة باليد تحفظ المزيد من المواد في الذاكرة.
أو قد يعني استخدام منصات التعلم الرقمية تجربة أكثر ثراءً: مع مجموعة غنية من أفلام الرسوم المتحركة، والتطبيقات التعليمية القائمة على المكافآت، والفصول الدراسية الافتراضية، وأدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، لتحفيز الطلاب على التعلم بطرق تفاعلية.
وتظهر الأبحاث “الممولة من شركات التكنولوجيا” أن التكنولوجيا الرقمية فعالة في تعزيز مهارات القراءة والكتابة والحساب، والبراعة اليدوية والذاكرة العاملة البصرية المكانية عند استخدامها في سياق التعلم.
كذلك تؤثر النتائج المفيدة لهذا على جميع مجالات تعلم الطفل، بما في ذلك اللغة ومعرفة القراءة والكتابة الوظيفية والرياضيات والعلوم والمعرفة العامة والتفكير الإبداعي.. والقائمة تطول.
أجهزة الكمبيوتر: التأثير على الصحة الجسدية والعقلية
هناك سلبيات مرتبطة بالتقنيات الرقمية أيضًا. حيث تظهر بعض الدراسات أن أجهزة الكمبيوتر يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الانتباه، وأن الأطفال يستخدمون أجهزة الكمبيوتر بشكل سلبي بدلاً من استخدامها كأداة تعليمية نشطة تشغل الدماغ. لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت هذه التأثيرات السلبية قصيرة المدى أم طويلة الأمد.
وتشير بعض الدراسات أيضًا إلى أن الإفراط في استخدام أجهزة الكمبيوتر يؤثر على الصحة البدنية والعقلية. ولكن قد يكون لذلك علاقة بالجلوس في مكان واحد لفترة طويلة، وليس بأجهزة الكمبيوتر نفسها.
ولهذا السبب يعد الجري بالخارج أو ركل الكرة أمرًا حيويًا لنمو الأطفال وأدائهم الأكاديمي أيضًا.
المشكلة الحقيقية في التعليم هي الفقر والفساد
هناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا في تعليم الطفل. كما إن بيئتهم المنزلية لا تقل أهمية عن المواد والأجهزة التي يستخدمونها للتعلم. فواحدة من أكبر المشاكل في التعليم هي الفقر. ومعناها ضعف الوصول إلى الكتب وأجهزة الكمبيوتر.
أصبحت هذه المشكلة واضحة خلال جائحة كوفيد-19، عندما كان الأطفال الفقراء من الخلفيات المحرومة أقل قدرة على الوصول إلى الانترنت وأجهزة الكمبيوتر أو الكتب في المنزل خلال الأوقات التي كانت فيها المدارس مغلقة.
على سبيل المثال، وجدت دراسة استقصائية أجريت في المملكة المتحدة أن ثلث الطلاب في المناطق المحرومة لم يكن لديهم إمكانية الوصول الكافي إلى أدوات التعلم المنزلي أثناء الوباء. وكان التأثير انخفاضًا في أدائهم الأكاديمي.
كما أظهرت الدراسات أن نتائج التعلم لدى الأطفال في سن المدرسة الثانوية انخفضت في السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية أكثر من أي شيء آخر. إنه اتجاه شوهد في جميع أنحاء العالم وارتبط بضعف الوصول إلى أدوات تعليمية أكثر ثراءً. كما ارتبط الأمر أيضا بالغلاء الفاحش للكتب. وتوقف الحكومات في دول عدة فيها كثافة سكانية عالية عن توفير الكتب لمواطنيها بأسعار مدعّمة. بالإضافة إلى فساد في بعض الحكومات التي لا توصل المساعدات التعليمية الدولية لمستحقيها من مواطنيها.