محاور المشاهير يدخل عالم عطور Louis Vuitton
فرنسا ـ غراس : “عدنان الكاتب” Adnan AlKateb
بمناسبة إطلاق دار “لويس فويتون” Louis Vuitton مجموعة عطور رجالية وعطرا مستوحى من الشرق الأوسط، التقينا بصانع عطور الدار الفرنسي “جاك كافالييه بيلترو” Jacques Cavallier-Belletrud المولود في غراس عاصمة العطور، وعمل وشارك في ابتكار أكثر من 80 عطرا لدور أزياء كبيرة مثل “ديور” و”جيفانشي” و”إيف سان لوران”. وانضم إلى دار “لويس فويتون” سنة 2012، حيث بدأ العمل على مجموعة العطور النسائية التي استغرق ابتكارها أربع سنوات. واليوم يأخذنا جاك مع العطر النسائي الرجالي “أومبر نوماد” Ombre Nomade في رحلة إلى الشرق الأوسط. كما يقدّم للرجال مجموعة من خمسة عطور تتدرج من الحمضي إلى الخشبي، مرورا بالتابلي والحسي والدافئ. ويخبرنا في هذا الحوار عن تاريخ عائلته في صناعة العطور وعلاقته بدار “لويس فويتون”.
هلّا أخبرتنا قصّتك وقصّة عائلتك.
عائلتي من جهة والدي وصلت إلى غراس قبل خمسة قرون. إنها فترة طويلة جدا. أتوا على الأرجح من إيطاليا. تدريجيا عملوا في الجلود المخصصة للقفازات فقط هنا في غراس، ثم عملوا في إنتاج الأزهار بمعايير الاستعمال في صناعة العطور. ثم صاروا متخصصين في استخراج الزيوت عبر التقطير بالبخار في قلب غراس على فترة طويلة. وفي أواخر القرن التاسع عشر، أصبح فرد من عائلة كافالييه عطارا معروفا في شركة في غراس، وكان يعمل على استخراج خلاصات الأزهار وابتكار العطور.
ثم أصبح جدّي عطارا حين كان عمره 18 عاما فقط، إذ وُلد سنة 1903 وصار صانع عطور سنة 1921. والدي ولد سنة 1931، وأصبح عطارا سنة 1950. وأنا ولدت عام 1962 لسوء الحظ (ويضحك)، وأصبحت عطارا في سن أصغر حين كنت في الـ 16والنصف من عمري سنة 1978. وبدأت ابنتي حين بلغت سن الـ 18 بالتمرّن على صناعة العطور.
ومن جهة والدتي، أتت عائلتها من إيطاليا في منتصف القرن التاسع عشر، وعملت الأسرة فورا في الأزهار هنا. فكانوا يزوّدون مصانع غراس بالأزهار.
ما الذكرى الأولى عن جدّك المحفورة في وجدانك؟
عطره. ابتكر عطرا لماركة ألمانية، وأولى ذكرياتي كانت شمّ عطره، وهو يخرج من غرفة في بيته. كنت في السادسة من عمري. أتذكر أنني كنت أشم العطر قبل دخوله من الباب.
وهناك قصة ظريفة حول هذا العطر. فعند وفاة جدي سنة 1980، رفض والدي إنتاج هذا العطر بعد ذلك، لأنه كان عطر جدي. قبل نحو ست أو ثماني سنوات، طلبت من والدي وصفة هذا العطر، فسألني فورا: ماذا ستفعل بها، فقلت إنني فقط أريد أن أرى نتيجتها. بعد أن خلطت المكونات ووضعتها في الكحول، استنشقت الرائحة، وبدأت أبكي لأنني شعرت كأنني أرى جدي. لم أفعل ذلك لوالدي.
هل دفعك جدّك إلى أن تصبح عطارا؟
لا، لم يدفعني، ولم يقل لا. قال لي إنه خياري. وقال: إن المهنة على الأرجح ليست كما أتوقعها، وأخبرني عن مدى صعوبتها، وعن مدى الجهد الذي عليّ بذله إذا أردت أن أبتكر عطرا يوما ما.
هل تتذكر نصيحة من جدك؟
نعم، طبعا. وهي أن أكون نفسي على طبيعتي.
ومن والدك؟
أن أكون جريئا.
ومن والدتك؟
أن أكون هادئا.
ما نصيحتك لابنتك الآن؟
أن تكون نفسها على طبيعتها. وظيفتي في تدريب ابنتي تكمن في جعلها مرتاحة لدرجة أن تستطيع التعبير عن نفسها وهويتها. هذا دوري ومهمتي. فبالنسبة إلى التقنيات وكل هذه الأمور، أي إنسان يستطيع أن يفعلها.
هل لديك أشقاء؟
لدي شقيق واحد. خلال نشأتنا، كان التعليم صارما جدا، ولم يكن لدينا وقت كثير نمضيه مع والدينا حتى صرنا في الـ 13 أو الـ 14 من عمرنا. كانت تربيتنا قاسية.
ماذا عن تاريخ علاقتك بدار “لويس فويتون”؟ كيف ولدت هذه العلاقة؟ وما أولى ذكرياتك مع “لويس فويتون”؟
الذكرى الأولى لي بسيطة جدا. حين بدأت أجني بعض المال للمرة الأولى، كنت في الـ 17 من عمري، وحصلت على أول راتب لي على بعد 200 متر من هنا، حين كنت أعمل تحت إدارة والدي. تلقيت وقتها في آخر الشهر نحو 1000 فرنك فرنسي، أي ما يعادل 150 يورو اليوم، في ذلك الوقت، كان مبلغا جيدا. فذهبت إلى مدينة كان لأبحث عن متجر فاخر. فرأيت نافذة متجر “لويس فويتون”، وانبهرت بها، فدخلت واستقبلني الموظفون استقبالا ملكيا، وكنت وقتها شابا. كان اليوم التالي عيد الأم، وأردت شراء حقيبة لوالدتي، فسألتني الموظفة عن ميزانيتي، وقلت لها ألف فرنك، فاقترحت علي بعض الحقائب. إحدى الحقائب كانت حمراء اللون ولافتة جدا، فقلت إنني لست متأكدا من أن أمي ستحبها. قالت لي السيدة: إنها متأكدة من أن أمي ستحبها لأنها هدية منّي. فاقتنعت واشتريت الحقيبة التي أتت مغلفة بعلبة وشريط أنيقين. بالنسبة إلي، هذه التجربة كانت رفاهية. وكانت أول احتكاك لي بدار “لويس فويتون”. الحقيبة لم تعد موجودة اليوم، لكن والدتي ما زالت تملكها.
إذا، هذا كان أول لقاء لي بالدار. ولطالما احتفظت بهذه الذكرى عن هذه الماركة العصرية بتعاملها مع الزبون برقي ولطف حتى منذ السبعينيات. ومنذ ذلك الوقت وأنا معجب بالماركة وزبون لها. وقد أهديت الكثير من منتجاتها.
بالنسبة إلى العمل، قبل ست سنوات، تلقيت اتصالا على هاتفي الجوال تسجّل في بريدي الصوتي. ولم تكن الرسالة واضحة، فلم أفهم ما أرادوه تحديدا. كان الاتصال من سكرتير رئيس “لويس فويتون” السيد إيف كارسيل، فعاودت الاتصال بهم بعد يومين، وأخبرتهم أنني لم أفهم ما أرادوه، فهل يريدونني لمشروع ما أو لأي سبب؟ قالوا لي إنهم يريدون رؤيتك لأنهم يريدون توظيفك. فقابلت الرئيس، وكان اللقاء ذكرى رائعة حقا! فقد أطلعني على المشروع هنا في غراس، وكنت متأثرا جدا إلى درجة أنني لم أستطع فهم موقع المشروع في غراس.
هل كانت الدار تعلم تاريخ عائلتك؟
نعم، كانوا على علم جيد بتاريخ العائلة، لكنني وقتها لم أكن أعرف ذلك. في ملفّي، أحبوا تاريخي وقصتي، والطريقة التي تحدثت بها عن العطور، وعطوري طبعا فذلك أهم شيء. لكنهم أحبوا وقدّروا الأسلوب الذي تحدثت به عن المكونات وحبي للمكونات، إذ كان ذلك يناسب فلسفة “لويس فويتون” وحمضها النووي. دخلت في نقاش مشوق ومثير للاهتمام حول المشروع وحول السبب الذي دفع “لويس فويتون” إلى ابتكار العطور وإلى شراء هذه المساحة في غراس، فصُدمت حقا. حين ذهبت لرؤية السيد أرنو كان الجواب في ذهني “نعم” واضحة.
كان العمل معهم تحديا كبيرا؟
نعم كانت تحديا كبيرا. لكنني أعتقد أنني في تلك اللحظة من حياتي كنت مستعدا لقبول هذا التحدي.
أول عمل قدمته مع “لويس فويتون” كان مجموعة عطور. ما مدى صعوبة إنتاج سبعة عطور في الوقت نفسه؟
نعم، كان مجموعة. أحيانا أقدم عطرا واحدا مثل “أومبر نوماد” Ombre Nomade. سبعة عطور رقم كبير نعم، لكن كان لدي الوقت لأفعل ذلك. أمضيت أربع سنوات في العمل على المجموعة. وأنا معروف جدا في عالم صناعة العطور بأنني أنتج كثيرا.
لماذا برأيك تقدم الدار هذا الكم من العطور معا؟ هل لأن الأذواق تختلف والبلدان تختلف؟
ليس فقط لذلك السبب، بل لأنني أردت أن أقدم مشاعر مختلفة، وهذا بالنسبة إلي هو الرفاهية. لو أطلقنا عطرا واحدا، حسنا إما أن يعجبك أو لا، لكن بين سبعة أو ثمانية عطور نسائية وخمسة عطور رجالية، هناك فرصة أكبر ليعجبك عطر. ونحن أيضا نفعل ذلك في الحقائب، فننتج حقائب كثيرة.
قد تلجأ بعض دور الأزياء إلى إنتاج العطور لأنها تكسبها ربحا أكبر بما أن تكلفة إنتاجها منخفضة. هل ينطبق ذلك عليكم؟
قد ينطبق ذلك على ماركات معينة، لكننا لا نفعل ذلك. نحن نجني أرباحا كبيرة من دون العطور. لا أنكر أننا نريد بيع هذه العطور، لكن المال ليس هدفنا. هدفنا إضافة المزيد من الأنوثة إلى الماركة، وحان الوقت لتكون هذه الأنوثة من خلال العطور. لا شك في أن العطور ستكون دخلا إضافيا، لكن ذلك ليس الهدف الأول. الهدف الأول كان ابتكار شيء، كما نفعل مع الأقسام الأخرى من الدار، شيء جيد أن يكون المال نتيجة لما نفعله. والسعر ليس مسألة تهمنا، ما يهمنا هو الجودة. أتحدث إلى الزبون في الحقيقة، وهذا أمر مهم جدا. ابتكرت سبعة عطور لمجموعتي الأولى وخمسة عطور لمجموعتي الرجالية، وهكذا نفعل حين نكون جاهزين لها. نعمل بطريقة بسيطة جدا، وما من استراتيجية كبيرة. لو أردنا كسب المزيد من المال الآن، لوضعنا هذه العطور في كل المتاجر، لكننا نبيعها فقط في متاجرنا. ما من منتج من “لويس فويتون” يباع خارج متاجر “لويس فويتون”. كما أن الدار لا تقدم أي حسومات، ولا حتى لي أنا ولا لموظفيها.
هل قابلت أحدا من عائلة لويس فويتون؟
نعم، السيد باتريك لويس فويتون. هو من صمم حقيبتي الكبيرة حين عملنا معا. ابنه بينوا لطيف جدا أيضا، وهو اليوم يعمل في كندا.
أخبرتنا أنك عملت مع شركات خليجية. هل من ذكريات لك في المنطقة؟
أحب سلطة عمان جدا. عمان بلد جميل حقا وأهله يتميزون بالكرم واللطف، وطبيعته جميلة جدا، خاصة مع الجبال المنحدرة نحو البحر.
ما رسالتك إلى المرأة العربية حول هذه المجموعة الرجالية؟ هل ستحب أن تشتريها لزوجها أو خطيبها؟
نعم، أعتقد أن المرأة العربية ستحب شراء عطور المجموعة الخمسة. أتوقع أن النساء العربيات يعرفن كيف يمزجن طبقات العطور، وهو أمر لا يعرفه سوى النساء العربيات. ويمكنها مثلا مزج عطر “نوفو موند” Nouveau Monde مع “سور لا روت” Sur La Route من أجل ابتكار شيء فريد لزوجها أو حبيبها.
هل يمكن للمرأة أن تضع أحد عطور التشكيلة الرجالية؟
نعم بلا شك. أعتقد أن المرأة العربية ستحب وضع بعض هذه العطور الرجالية، وهي طريقة لحمل لمسة من زوجها على بشرتها
لماذا لم تطلقوا حتى الآن أي كريمات أو لوشن أو إكسسوارات عطرية مكملة للعطور؟
إننا نبني عالم عطورنا تدريجيا خطوة بخطوة. أريد أن أفعل الأمور بالطريقة الصحيحة. إذا أردنا يوما ما تقديم هذا النوع من المنتجات، يجب أن تكون استثنائية ممتازة. وابتكار الأشياء الممتازة يتطلب وقتا.