المرأة العصرية والراقية

ماذا يحدث للدماغ والجسم عند التفكير كثيرًا بشكل مستمر

كلنا نشعر بالقلق حيال أمرٍ ما، ولكن عندما يستمر العقل في القلق، متأملاً بشدة في أسوأ الاحتمالات، و”ماذا لو”، وندم الماضي، يصبح الأمر مصدر قلق. يتحول إلى خليطٍ فوضوي من الماضي والحاضر والمستقبل، كما لو كان عالقاً في حلقة مفرغة، يعمل بلا هوادة حتى لو كانت السيارة ترتفع حرارتها ويتصاعد منها الدخان. قد يبدو لك هذا وكأنه طريقتك في الاستعداد للموقف أو حله، لكن في الواقع، التفكير المفرط يأتي بنتائج عكسية، ويؤثر سلباً على صحتك العامة بشكل كبير.

فالإفراط في التفكير يؤدي إلى استجابة للتوتر وحتى يحاكي أعراض الأمراض الجسدية الخطيرة، مما يطمس الخط الفاصل بين الصحة العقلية والجسدية. كما أن الإفراط في التفكير يتجاوز مجرد “التفكير كثيرًا”. ويحذر الأطباء من أن الإفراط في التفكير بمرور الوقت يؤثر سلبًا على كلٍّ من الدماغ والجسم. فالإفراط في التفكير يتجاوز مجرد “التفكير كثيرًا”. إنه ينطوي على أفكار سلبية ملحة ومتكررة، وخاصةً حول الماضي (اجترار الأفكار) أو المستقبل (القلق). هذه الأنماط، المعروفة باسم الإدراك المثابر، يصعب التخلص منها، ويمكن أن تلحق ضررًا بالغًا بالدماغ والجسم.

ماذا يحدث في عقلك وجسدك عندما تفكرين كثيرًا؟

إذن، ما الذي يدور خلف كواليس تفكيرك المفرط المعقّد وخيالك غير المتكيّف لـ”ماذا لو” التي تعمل لساعات إضافية؟. عندما يفرط المرء في التفكير، تنشط مناطق معينة من الدماغ. وتشهد المناطق التي تشهد ارتفاعًا حادًا في النشاط العصبي، ويرتبط الإفراط في التفكير بزيادة النشاط في مناطق مثل القشرة الجبهية الأمامية، والقشرة الحزامية الأمامية، والجهاز الحوفي، وهي مناطق تعالج المشاعر والانتباه والتوتر. هذا يبقي الدماغ في حالة تأهب دائم، مما يصعّب الاسترخاء أو التفكير بوضوح.

إلى جانب انخفاض الوظائف الإدراكية كاليقظة، فإن التوتر الناتج عن الإفراط في التفكير المستمر لا يسلم الجسم أيضًا، إذ يؤثر على الهضم والمناعة. كذلك ينشّط التفكير المفرط استجابة الجسم للتوتر، حتى في غياب أي خطر حقيقي. ويؤدي إلى ارتفاع مستوى الكورتيزول (هرمون التوتر)، وتأخر التعافي بعد التوتر، وارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم. هذه التغيرات تعيق النوم، وتضعف المناعة، وتبطئ عملية الهضم، وتسبب التعب.

يمكن أن يظهر التفكير المفرط في الجسم بطرق غريبة ومقلقة، قد تفهم خطأً على أنها أمراض جسدية خطيرة. يمكن أن يؤدي التوتر والقلق الناتج عنه إلى أعراض مثل وخز مستمر في الذراعين أو حتى نوبات صرع، كل ذلك دون أي حالة طبية كامنة.

على سبيل المثال، يأتي شاب قلقًا من وخز مستمر في ذراعيه وساقيه، خوفًا من اضطراب عصبي. كانت نتائج الفحوصات طبيعية، والسبب الجذري هو القلق الناجم عن الإفراط المزمن في التفكير. أيضًا هناك ظاهرة تسمى التضخيم الحسي الجسدي، حيث يبدأ الدماغ بتفسير الأحاسيس الطبيعية (مثل خفقان في الصدر أو دوخة) على أنها خطيرة. في حالة أخرى، عانت شابة مما بدا وكأنه نوبات صرع، لكن اتضح أنها إجهاد يتجلى في جسدها.

وتظهر هذه الحالات مدى شدة التفكير المفرط الذي يمكن أن يتفاقم إلى درجة التوتر والقلق مع أعراض شديدة لدرجة أنه يتم الخلط بينها وبين الحالات العصبية.

كيفية إدارته؟

حتى لو شعرتَ أن الإفراط في التفكير يغرقك في دوامةٍ من الأفكار السلبية، فهناك بصيص أملٍ في نهاية النفق. بانفتاحك على طلب الدعم من مختلف الوسائل، يمكنك التوقف عن الإفراط في التفكير وكسر هذه الدائرة.

الخبر السار هو أنه يمكن إدارة التفكير المفرط. ومن أكثر الأدوات فعالية العلاج السلوكي المعرفي CBT، الذي يساعد على تحديد أنماط التفكير غير المفيدة ويعلّم طرقًا عملية لتغييرها. ومن الاستراتيجيات المفيدة الأخرى تمارين اليقظة والتنفس، وتدوين المخاوف لتقليل العبء الذهني. والحد من وقت استخدام الشاشات، وخاصةً في الليل، وممارسة النشاط البدني بانتظام لتنظيم التوتر. وطلب الدعم من معالج نفسي أو طبيب عند الحاجة.

على الرغم من أن التفكير المفرط، عندما يصبح مزمنًا، قد يبدو مستهلكًا ومرهقًا، إلا أن الدعم والأدوات المناسبة يمكن أن تساعدك على التعامل معه بفعالية.

يمكنك أيضا قراءة