المرأة العصرية والراقية

هل خيانة أحد الوالدين تؤثر على صحة الأبناء النفسية والعقلية؟

بالنسبة للطفل الذي هو في سن المراهقة أو ما قبل المراهقة ويعاني من أشياء عديدة مثل البلوغ والأقران والعلاقات، فإن الكشف عن خيانة أحد الوالدين يمكن أن يكون بمثابة ضربة كبيرة بما يكفي لتشكيل كيفية نمو الشخص عاطفياً.

في أغلب الأحيان، تبقى هذه “التشققات” العاطفية مخفية عن العالم. نادرًا ما تناقش العلاقات الغرامية أو خيانة أحد الوالدين علانيةً، إذ لا أحد يرغب في كشف عيوب علاقة تعيسة. وبينما قد يكون اكتشاف خيانة أحد الزوجين أمرًا مدمرًا للزوج الآخر، فإن هذا الكشف قد يسبب للأطفال – صغارًا كانوا أم كبارًا – اضطرابًا عاطفيًا قد يصعب عليهم فهمه.

بالنسبة للطفل الذي هو في سن المراهقة أو ما قبل المراهقة ويعاني من أشياء عديدة مثل البلوغ والأقران والعلاقات، فإن الكشف عن خيانة أحد الوالدين يمكن أن يكون بمثابة ضربة كبيرة بما يكفي لتشكيل كيفية نمو الشخص عاطفياً.

موجة الصدمة العاطفية

أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين ينحدرون من أسر سعيدة وداعمة غالبًا ما يكبرون ليصبحوا بالغين مرحين ومتكيفين. لكن الأمر يختلف مع الأطفال الذين ينحدرون من أسر مفككة. يقول علماء النفس إن خيانة أحد الوالدين لا تقتصر على الخيانة الزوجية فحسب، بل تشمل أيضًا تمزيق الثقة والاستقرار والهوية.

غالبًا ما يستوعب الأطفال الألم والخيانة، مما يدفعهم للتساؤل: “ألم أكن كافيًا للحفاظ على تماسك أسرتي؟” هذا الشعور بالذنب غير المبرر قد يؤدي إلى أنماط عاطفية طويلة الأمد – استقلالية مفرطة، وخوف من الحميمية، أو حتى محاولات لا شعورية للتعويض في العلاقات.

وإذا لم تعالج هذه المشاعر، فقد تتجلى في صورة قلق، أو مشاكل ثقة، أو تجنب في العلاقات المستقبلية. يتفاعل العديد من الأطفال، وخاصةً المراهقون، بتمرد أو سعي للكمال – إما بدافع استعادة الشعور بالسيطرة أو بالسعي نحو الكمال أملاً في الحفاظ على علاقات أخرى سليمة.

كما أن الأطفال قد يأخذون خيانة أحد الوالدين على محمل شخصي، شاعرين أنها حدثت بسببهم أو بسبب فعلهم. قد تؤثر هذه الفكرة عليهم داخليًا وتتجلى في أشكال مختلفة، مثل تدني احترام الذات، وضعف الثقة، والخوف من الهجر، أو صعوبة بناء علاقات صحية.

عامل السن: هل يغير الأثر؟

في مرحلة النشأة، يكون الآباء أبطالًا لأي طفل. يتخيلون أن لديهم القدرة على قهر أي شيء في هذا العالم. عندما تتحطم هذه الفكرة – سواءً لطفل في سن المراهقة أو ما قبل المراهقة – يكون الضرر العاطفي هائلاً. لا يحدد عمر الطفل بالضرورة التأثير العاطفي، ولكن قد تختلف استجابة الأطفال الأكبر سنًا عن الصغار. فالاضطراب العاطفي أمر شائع.

حيث قد يعاني الأطفال (من 9 إلى 12 عامًا) من تقلبات مزاجية، وصعوبات في التركيز، أو نوبات غضب. وكثيرًا ما يشعرون بالارتباك وعدم الاستقرار. وقد يتساءلون: “هل أخطأت؟”

يميل المراهقون إلى التذبذب بين الغضب والحزن، وأحيانًا يظهرون تحدٍّ أو انفصالًا. وقد يصابون بالقلق، وانعدام الأمن في العلاقات، وحتى بالاستقلالية المفرطة.

كما قد يشعر الشباب والبالغون بخسارة وجودية، ويتساءلون إن كان حب آبائهم السابق حقيقيًا. وقد يجدون صعوبة في الثقة بشركائهم العاطفيين في المستقبل.

كذلك قد يبدو اكتشاف خيانة أحد الوالدين في مرحلة الشباب أسهل للتقبل، لكن الواقع عكس ذلك تمامًا. ففي هذه المرحلة من الحياة، غالبًا ما تكون قد طورت فهمًا ناضجًا للعلاقات والولاء والثقة، لكن سرعان ما تتزعزع هذه المعتقدات على يد شخص لطالما اعتززت به.

وبغض النظر عن العمر، تعدّ مشاكل الثقة من العواقب الرئيسية. ينفصل العديد من الأطفال عاطفيًا عن الوالد الذي مارس الخيانة، وفي بعض الحالات، يصابون بقلق دائم من الخيانة.

أيضًا في كثير من الأحيان، قد يستغل أحد الوالدين براءة الطفل وثقته ليحرضه على الآخر، خاصةً في سياق علاقة غرامية. حيث قد يكون هذا انتقامًا، ولكنه على المدى البعيد قد يحوّله عاطفيًا إلى شخص “شرير”.

التأثير الاجتماعي المتتالي

الأسوأ هو عندما تصبح العلاقة علنية. قد يشعر الطفل بالخجل أو الإحراج ويبدأ بالانسحاب من التجمعات الاجتماعية. وبينما قد يبدو ظاهريًا متظاهرًا بالشجاعة، إلا أنه في داخله ضعيف. ينسحب البعض إلى العزلة، بينما يبالغ آخرون في التعويض، مصممين صورة مثالية لحياتهم لموازنة الفوضى في المنزل.

كذلك من الشائع أن نرى المراهقين أو الشباب ينشئون حياة “طموحة” على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنهم داخليًا ما زالوا يعانون من انعدام الثقة وانعدام الأمن.

الاستجابات العاطفية: ما هو الطبيعي

إن طيف المشاعر واسع، ولكن ردود الفعل الأكثر شيوعًا تشمل:

الغضب: “كيف يمكنك أن تفعل هذا بنا؟”

الشعور بالذنب: “هل فعلت ما يكفي للحفاظ على تماسك عائلتي؟”

انعدام الأمان: “هل العلاقات آمنة حقًا؟”

الحزن: فقدان الوالد الذي كان يعتبرونه مثاليا في يوم من الأيام.

أحيانًا، لا يقتصر الأمر على التلاعب فحسب؛ بل يميل الأطفال غالبًا إلى الانحياز إلى أحد الطرفين، خاصةً عندما يكون أحد الوالدين قد تأثر بالخيانة الزوجية. ينحازون إلى أحد الطرفين، فيصوّرون أحد الوالدين شريرًا، بينما يشعرون بالحاجة إلى حماية الآخر. وفي محاولة للتأقلم، يكبت آخرون مشاعرهم، لتظهر مجددًا في علاقات البالغين.

إذن، ماذا يمكن للوالدين فعله؟

إذا انكشفت خيانة زوجية في الأسرة، فمن الأفضل أن يتحمل الوالدان مسؤوليتها. هذا يعني أنهما لا يتحملان مسؤولية أفعالهما فحسب، بل يتحملان أيضًا مسؤولية الضرر العاطفي الذي تسببا به.

ومن أولى الخطوات تحمّل المسؤولية؛ الاعتراف بالأذى الذي لحق بالأسرة والطفل. ينبغي على الوالدين تعزيز الشعور بالحب غير المشروط، والتأكد من أن الطفل يشعر بأنه محبوب بشدة رغم كل الظروف. كما أن تعديل العلاقة بين الوالدين والطفل لتلبية احتياجات الطفل يساعده على الشعور بالاندماج والدعم. وفي هذا الوقت، ينصح الأطباء بالعلاج إذا لزم الأمر لمساعدة الطفل على فهم ما يجري.

والأهم من ذلك، إذا كانت العلاقة معروفة مسبقًا، فلا تجبر الطفل على اختيار أحد الجانبين. فالنقاشات المفتوحة، بدلًا من السرية أو اللوم، تساعده على معالجة الموقف بطريقة أكثر صحة.

كذلك يجب على الشباب أن يفهموا أن خيانة أحد الوالدين قرارهم، وليست انعكاسًا لهم أو لقيم عائلاتهم. لذا، من المهم أن يذكّروا أنفسهم بأن أخطاء الوالدين لا تحدّ من قدرتهم على بناء علاقات صحية ومرضية.

كسر الدورة

بالنسبة للطفل، لا شيء أشد وطأة من رؤية والديه اللذين طالما عشقهما منذ الصغر على شفا زواج فاشل. هنا، يجب على الوالدين تحمّل مسؤولية أفعالهما. عليهما أن يدركا أن ما هو على المحك ليس علاقتهما فحسب، بل حياة الأبناء أيضًا قد تستوعب فكرة الزواج الفاشل وتحمل عبئه على مستقبلهم.

يمكنك أيضا قراءة