
الإفراط في مشاركة المعلومات ليس مجرد ثرثرة بل نداء استغاثة
نحن غالبًا ما ننظر بازدراء إلى الأشخاص الذين يشاركون الكثير من المعلومات، لكن الخبراء يوضحون أنه بالنسبة للبعض، قد يكون ذلك بمثابة دعوة صامتة للتواصل ونداء استغاثة وطلب للمساعدة. كما قد يكون الإفراط في المشاركة سمة شخصية لدى بعض الأشخاص، وخاصة المنفتحين. حيث إن التكتم على حياتك سحر، أو على الأقل، هذا ما سيقوله لك معظم الناس. الإسراف في المشاركة ليس فضيلة، وغالبًا ما يبقي من يفعل ذلك في موقفٍ حرج.
كان أحد الأصدقاء على موعد غرامي مع فتاة مؤخرًا. كان أبرز ما في لقائهما هو حديثهما، حيث استطردت الفتاة في الحديث عن حياتها، مشاركةً تفاصيل من علاقتها الأولى إلى انفصالها الأخير. وبينما يعيش الاثنان حياة زوجية سعيدة الآن، لا شك أن هذه الصفة كانت مزعجة لدرجة كادت تمنعهما من موعد ثانٍ. لكن الآن، أصبح هذا من الماضي.
وفي زمنٍ تزدهر فيه منصات التواصل الاجتماعي بالمحتوى الشخصي، ليس من السهل وضع حدٍّ للمحتوى المفرط. فبينما يعتبر الكثيرون الإفراط في المشاركة مجرد سعيٍ لجذب الانتباه، يشير علماء النفس إلى أنه غالبًا ما ينبع من حاجة عاطفية أعمق، صرخة صامتة للتواصل.
لماذا يشارك الناس أكثر من اللازم؟
إن الإفراط في المشاركة لا يقتصر على كثرة الكلام؛ بل غالبًا ما يكون متجذرًا في الشعور بالوحدة والرغبة في أن يرى ويسمع ويؤخذ بعين الاعتبار. وعندما نجد أنفسنا وحيدين ونلتقي بشخص جديد، قد نشارك غريزيًا الكثير، سعيًا وراء التعاطف أو الدعم العاطفي. ولكن بعد ذلك، قد نشعر بالندم أو الإحراج.
هل كان أحد ليتصور أن تجارب الطفولة قد تلعب دوراً في تعزيز هذه السمة؟
في طفولتنا، كنا نتلقى نصائح كثيرة بالصمت أو عدم التعبير عن مشاعرنا. حتى في مرحلة البلوغ، إذا تجاهلنا مشاعرنا في العلاقات، نستوعب فكرة أن لا أحد مستعد للإنصات. عندها، يصبح الإفراط في المشاركة محاولة يائسة لاستعادة صوتنا، كما توضح.
إلى جانب تجارب الطفولة، قد يكون الإفراط في المشاركة مدفوعًا باحتياجات نفسية أعمق، بما في ذلك الرغبة في الحصول على التقدير. كذلك عندما يشارك الناس تفاصيل حميمة، فإنهم يسألون لا شعوريًا: هل أنا مفهوم؟ هل لي أهمية؟ في عالم تندر فيه العلاقات الحقيقية، يصبح الإفراط في المشاركة طريقًا مختصرًا للشعور بالقبول والاهتمام. فهم يرغبون في مشاركة أصغر تفاصيل حياتهم مع الآخرين، ويسعون للحصول على التقدير، سواءً كان ذلك بسيطًا كمظهرهم أو ملابسهم.
أيضًا يعتقد الخبراء أن الإفراط في المشاركة قد يكون في بعض الأحيان سمة تنبع من الرغبة في البقاء مسيطرًا على السرد.
الإفراط في المشاركة والصراعات العاطفية
في حين أن الوحدة محفِّز رئيسي، فإن الإفراط في المشاركة قد يشير أيضًا إلى صراعات عاطفية أعمق. يحدِّد الخبراء عدة عوامل نفسية كامنة:
تفريغ التنافر المعرفي: يفرط بعض الأفراد في مشاركة المعلومات كمحاولة لا واعية للتوفيق بين تصوراتهم الذاتية المتضاربة، على سبيل المثال: “أنا ناجح، لكنني أشعر بأنني محتال”. يؤدي هذا التنافر إلى تناقضات تسعى لا شعوريًا إلى الوضوح الخارجي.
فقدان التوجه الزمني: قد يشارك الأشخاص الذين يعانون من صدمات الماضي غير المعالجة بشكل مفرط حيث يكافح دماغهم للتمييز بين الأحداث الماضية والواقع الحالي، وإعادة تمثيل الذكريات لفظيًا لتأريض أنفسهم في الوقت الحاضر.
التخزين العاطفي: مثل جامعي المشاعر القهريين، يقوم بعض المشاركين المفرطين بتخزين ردود الفعل والاستجابات من الآخرين على أنها “إمدادات” عاطفية للتعويض عن الفراغ الداخلي الذي لا يستطيعون تسميته.
البحث عن القرب من خلال الكلمات: بالنسبة للأفراد الذين عانوا من عدم انتظام الرعاية. فإن الإفراط في المشاركة يصبح سلوكًا تعلقيًا حديثًا من خلال استخدام الوسائل اللفظية لخلق شعور بالقرب الجسدي أو العاطفي الذي يبدو أنه لا يمكن الوصول إليه بطريقة أخرى.
إدمان السرد: إن عملية هيكلة تجارب الحياة في قصص منطوقة يمكن أن تصبح قهرية. حيث يعتمد الراوي على هذا الإطار الخارجي للحفاظ على شعور متماسك بالذات.
كيف يؤثر الإفراط في المشاركة على العلاقات كشخص بالغ
التأثيرات الإيجابية
يكشف عن الأنماط العاطفية في وقت مبكر: يمكن أن يكون الإفراط في المشاركة بمثابة نافذة على العادات العاطفية العميقة الجذور. مما يساعد كلا الشريكين على التعرف على التحديات المحتملة قبل أن تتحول إلى صراعات كبيرة.
يعمل كمرشح للتوافق: إن مشاركة التجارب الشخصية العميقة في وقت مبكر يمكن أن يكشف بسرعة ما إذا كان شخصان متوافقين عاطفياً أم غير متوافقين، مما يوفر الوقت في العلاقات.
يشجع التأمل الذاتي: عندما يشارك شخص ما بشكل مفتوح. فإنه غالبًا ما يكتسب الوضوح بشأن مشاعره وتجاربه الخاصة، مما يؤدي إلى النمو الشخصي داخل العلاقة.
يهيئ مساحة آمنة للمواضيع الصعبة: بعض المحادثات، مثل الصدمات أو المخاوف الماضية، يصعب طرحها. الإفراط في المشاركة قد يسهّل مناقشة القضايا الأعمق، مما يسهّل معالجة المشاعر المعقدة لاحقًا.
التأثيرات السلبية
قد يكون الأمر مرهقًا عاطفيًا: فالكثير من المعلومات في وقت قريب جدًا قد تطغى على الشخص الآخر، مما يجعله يشعر بالضغط أو العبء.
يطمس الحدود الصحية: يمكن أن يؤدي الإفراط في المشاركة إلى نقص المساحة الشخصية. مما يجعل العلاقة تبدو مكثفة عاطفياً أو مترابطة.
يقلل من الغموض العاطفي: إن مشاركة الكثير من المعلومات بسرعة كبيرة يمكن. أن يزيل العملية التدريجية للتعرف على شخص ما، والتي غالبًا ما تكون ضرورية لنمو العلاقة.
قد يدفع الناس بعيدًا: إذا كان الإفراط في المشاركة يبدو مفرطًا أو من جانب واحد. فقد يخلق ذلك انزعاجًا ويدفع الشخص الآخر إلى الانسحاب عاطفيًا أو جسديًا.
هل المبالغة في المشاركة سمة شخصية؟
قد يكون بعض الأفراد أكثر تعبيرًا عن أنفسهم بطبيعتهم من غيرهم بسبب سماتهم الشخصية. بينما يكتسب آخرون عادة الإفراط في المشاركة بناءً على تجاربهم الشخصية. على سبيل المثال، قد يتشارك المنفتحون بطبيعتهم أكثر كوسيلة لبناء علاقات. علاوة على ذلك، قد يبالغ الأشخاص ذوو الحساسية العاطفية الشديدة أو أنماط التعلق القلقة في المشاركة كوسيلة لطلب التقدير وبناء علاقة حميمة مع الآخرين.
مع ذلك، فإن الإفراط في المشاركة ليس بالضرورة سمة شخصية ثابتة. كما قد يكون سلوكًا مكتسبًا تشكله علاقات وبيئات سابقة. كذلك إن إيجاد توازن بين التعبير عن الذات والحدود العاطفية أمر أساسي لبناء تفاعلات صحية أكثر.
إيجاد التوازن الصحي
مع أن الإفراط في المشاركة قد يبدو مزعجًا بعض الشيء، إلا أنه لا ينبغي أن يكون نيته خاطئة. مع ذلك، فإن فهم أسبابه الجذرية يساعد الأفراد على تطوير عادات تواصل أكثر وعيًا.
فهناك التأمل الذاتي كخطوة أولى: اسألي نفسك: هل أشارك للتواصل، أم أبحث عن التصديق؟. هل هذا تعبير صادق، أم أحاول ملء فراغ عاطفي؟.