
ليس فقط الكوكب: أزمة المناخ تؤثر على عقولنا أيضًا
رغم عدم تصنيفه رسميًا كمرض نفسي، إلا أن القلق البيئي إزاء قضايا المناخ يتجلى في أعراض كالعجز والشعور بالذنب والضيق. وينتشر هذا النوع من القلق بشكل خاص بين الأجيال الشابة التي تشعر بقلق بالغ إزاء العالم الذي سترثه.
**خبر عاجل** الحرارة الشديدة تودي بحياة 100 شخص في الأوروبا
**خبر عاجل** مقتل 14 شخصًا وفقدان 102 آخرين بعد فيضانات بنغلاديش
**تغطية خاصة** يبدأ موسم حرائق الغابات في كاليفورنيا مبكرًا مرة أخرى
هل يقلقك هذا النمط من الأخبار لدرجة تجعلك قلقًا على والديك، والأجيال القادمة، وعلى نفسك؟ ربما لست وحدك. فبينما قد يبدو أن لدينا متسعًا من الوقت لإصلاح الضرر الذي ألحقناه بكوكبنا والمناخ، إلا أن المؤكد أن الأرض تكافح بالفعل.
فقد خلّفت الظواهر الجوية المتطرفة دمارًا هائلًا في جميع أنحاء العالم. ومع تفاقم أزمة المناخ، لا شك أن وتيرة وشدة هذه الظواهر في ازدياد.
التأثير النفسي لكوارث المناخ
إن التأثير النفسي لهذه الأحداث، والذي يشار إليه غالبًا باسم “القلق المناخي” أو “القلق البيئي”، ليس مجرد مصدر قلق عابر. بل هو مشكلة صحية عقلية عميقة ومتنامية تؤثر على الأفراد في جميع أنحاء العالم.
وفقًا لتقرير صادر عن جريست، ارتفعت عمليات البحث على جوجل عن “القلق المناخي” بنسبة 565% في عام 2021. وهذا يسلط الضوء على كيفية الشعور بتأثير تغير المناخ على الصحة العقلية الآن أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي يجب دراسته.
فهم القلق المناخي/القلق البيئي
هل تجد مستقبلك غامضًا بسبب التدهور البيئي، أم يقلقك كيف ستنجو أجيالك القادمة في عالم يزداد اضطرابًا؟ هذا جزء من قلق المناخ!
رغم أنه لا يصنف رسميًا كمرض نفسي، إلا أنه يتجلى من خلال أعراض مثل العجز والشعور بالذنب والضيق. ينتشر هذا النوع من القلق بشكل خاص بين الأجيال الشابة التي تشعر بقلق بالغ إزاء العالم الذي سترثه.
الأرقام لا تكذب
وجدت دراسة استقصائية عالمية نشرت في مجلة لانسيت بلانيتاري هيلث في عام 2021 أن 60% من بين أكثر من 10 آلاف فرد تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عامًا أفادوا بأنهم “قلقون للغاية” بشأن تغير المناخ، مع تصريح ما يقرب من النصف بأن حياتهم اليومية تأثرت بهذه المخاوف.
في حين أبدى علماء النفس قلقهم بشأن هذه القضية منذ عام 2011، فقد تم إضفاء الشرعية على المصطلح في عام 2017، عندما وضع المسؤولون في الجمعية الأمريكية لعلم النفس APA تعريفه الرسمي ووصفوا الظاهرة بأنها “خوف مزمن من الدمار البيئي”.
كما يقول أنتوني ليسيرويتز، مؤسس ومدير برنامج جامعة ييل للتواصل بشأن تغير المناخ، وباحث بارز في كلية ييل للبيئة: “إن القلق المناخي هو في جوهره قلقٌ بشأن تغير المناخ وتأثيراته على البيئة والوجود البشري. وقد يتجلى ذلك في أفكارٍ أو مشاعر قلقٍ مسيطرة بشأن الكوارث المستقبلية أو مستقبل الوجود البشري والعالم على المدى البعيد. بما في ذلك أحفاد المرء”.
كوفيد-19 وتزايد القلق البيئي
غيّرت الجائحة نظرة الناس إلى القضايا البيئية. فبينما أتاحت السماء الصافية والشوارع الخالية والطقس البارد لمحةً عما قد تبدو عليه علاقة أكثر توازناً مع الطبيعة، إلا أنها أثارت في الوقت نفسه خوفاً وشعوراً بالعجز، لا سيما بين الشباب، إزاء تأثير البشرية على كوكب الأرض.
ما زاد الطين بلة هو إجراءات الإغلاق والعزلة، والتدفق المستمر للأخبار الكئيبة على وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. بالنسبة للكثيرين، اتضح أن الصحة العالمية والصحة مترابطتان بشدة، وأن الضرر البيئي قد يمهّد الطريق لأوبئة مستقبلية. وبالتالي، أدى ذلك إلى تفاقم القلق البيئي بين الناس خلال الجائحة.
كما تقرّ ديبتي تشاندي، المعالجة النفسية والمديرة التنفيذية للعمليات في شركة آنا تشاندي وشركائها، بأن قلق المناخ قد ازداد حدةً في عالم ما بعد الجائحة. وتقول: “لم تزدِ الجائحة مستويات قلقنا العامة فحسب، بل زادت أيضًا من وعينا بالبيئة. بدأنا نلاحظ المزيد من الظواهر، مثل موجات الحر غير الاعتيادية أو نوبات البرد الطويلة”.
على سبيل المثال، في اليابان، تأخر موسم ساكورا، أو موسم أزهار الكرز، لمدة أسبوعين، وفي الهند، تشهد مدن مثل بنغالور درجات حرارة مرتفعة بشكل غير عادي. كذلك تعزز هذه التغييرات المرئية الشعور بوجود خلل، ويتزايد قلق الناس. لذا، نعم، القلق البيئي حاضرٌ وحقيقيٌّ للغاية اليوم، كما توضح.
هل هو اضطراب سريري؟
ومع ذلك، وبعد كل ما قيل وفعل، فإن القلق البيئي ليس هو الشيء نفسه، على الرغم من أن القلق المناخي ليس اضطرابًا يمكن تشخيصه، إلا أن آثاره حقيقية وهامة. وتشير إلى أن توقع الكوارث المرتبطة بالمناخ قد يسبب الخوف والضيق، خاصةً عندما يشعر الأفراد بفقدان السيطرة أو عدم وضوح الرؤية بشأن الوضع. وحتى الآن لا يوجد تشخيص سريري رسمي للقلق المناخي حتى الآن، ولكن من الناحية النفسية، فهو صحيح.
إنه يشبهه الصدمة النفسية، وينشّط استجابتنا للقتال أو الهروب، وقد يظهر لدى الكثيرين كرد فعل لصدمة نفسية. كما أنه يشترك في سمات الاضطراب العاطفي الموسمي.
ولا يؤثر المناخ والطقس على مزاجنا فحسب، بل على علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين أيضًا. فعندما يكون الجو حارًا جدًا، يميل الناس إلى الشعور بعصبية أكبر. كما أن البرد لفترات طويلة قد يشعر البعض بالإحباط العاطفي.
ومع استمرار برودة الطقس في أبريل على سبيل المثال؛ يتسلل إلى نفوسنا قلق المناخ. إنه مزيج من الارتباك والعجز والإرهاق. قد لا يكون هذا القلق مدرجًا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية بعد، ولكن ما هي الآثار النفسية المترتبة عليه؟ إنه أمر حقيقي للغاية.
كيفية التعامل مع قلق تغير المناخ
قومي بواجبك تجاه المناخ واتركي الباقي لأنك لا تستطيعين التحكم في كل شيء.
ابدئي بتصرفات يومية صغيرة وذات معنى، مثل استهلاك الأزياء بشكل أكثر استدامة. أو استخدام بدائل للمواد البلاستيكية أحادية الاستخدام مثل المصاصات المعدنية، أو مراعاة خياراتك في التنقل. هذه الخطوات تمنحك شعورًا بالمسؤولية والمساهمة. من المهم جدًا أيضًا التحدث عن الأمر. وكما هو الحال مع أي مشكلة عاطفية، فإن التعبير عن مخاوفك يساعدك على معالجة مشاعرك وفهمها، ويفتح الباب أمام العمل الجماعي أو الدعم، كما تقول تشاندي. وتضيف أن السر يكمن في التركيز على ما يمكنك التحكم فيه.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون تقنيات التأريض مفيدة للغاية. في مجال القلق البيئي، يشجَّع الناس على القيام بأشياء مثل المشي حافي القدمين على أرض طبيعية، أو البستنة، أو حتى قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق. تساعد هذه الأنشطة على إعادة التواصل مع الأرض واستقرار حالتنا النفسية.
أيضًا يكمن في قلب القلق المناخي شعورٌ إنسانيٌّ عميق، ألا وهو الخوف من فقدان ما نحب: منازلنا، مستقبلنا، كوكبنا. ورغم أننا قد لا نستطيع معالجة أزمة المناخ بمفردنا، إلا أننا لا نستطيع أيضًا أن نكتفي بالبكاء عليها، لأن لحظة الفرج لم تأت بعد.