المرأة العصرية والراقية

محاور المشاهير عدنان الكاتب يحاور النجمة المتألقة بلقيس

 

حوار: ADNAN ALKATEB

صوت بلقيس يدخل القلب من الإصغاء الأول، صوت أسر ويأسر بقوّته وعذوبته معظم جماهير العالم العربي من المشرق إلى المغرب، صوت لا يكف عن الإبداع والابتكار والتجدد والتكيّف.. بلقيس فتحي ابنة الموسيقار أحمد فتحي، شابة يمنية إماراتية ترعرعت على حب الفن، وتابعت دراساتها الجامعية قبل أن تتبع توجيهات قلبها المولع بالموسيقى والغناء. أتقنت الغناء بلهجات ولغات عديدة، وبأنواع موسيقية مختلفة بسبب مداها الصوتي الهائل والجامع بين طبقات كثيرة. حققت خلال العقد الأخير نجاحا عربيا هائلا، وأصبحت أمّا لـ”تركي”، وأسست علامتها الخاصّة في قطاع مستحضرات التجميل، لكنها بقيت تلك الشابة المحترمة والراقية واللطيفة والدافئة.

 

مع بلقيس الصديقة المبدعة، الصادقة والشفافة والأصيلة، نقرأ الكتاب من عنوانه، كتاب يلخّص كيف يمكن للفن أن يبدع ويؤثّر في مجتمعه من خلال قصة بطلتها قدوة حقيقية للشابات العربيات اليوم. في هذا اللقاء الحصري، أدخل معكم إلى عالم بلقيس فتحي التي تشاركنا أفكارها وأحلامها ومخاوفها وأهدافها وأسرارها دون تردد، بعفوية وتواضع ورصانة ملهمة.

بلقيس

كيف تحبّين أن تقدّمي نفسك لقارئات مجلة “هي”؟

 

أنا امرأة يمنية خليجية في الثلاثينيات من عمري. بطموحي، بذلت جهدي وسعيت وثابرت، وأنا حاليا أحقق حلمي منذ عشر سنوات أو أكثر. وأسمّي نفسي “بنت الجيران” أو باللغة الإنجليزية THE GIRL NEXT DOOR، لأنني في كل مرة أدخل إلى حفلة أو عرس أو بيت، أشعر بأنني أنتمي إلى عائلة الأشخاص المحيطين به. وهو شعور يختلجني في كل دولة عربية أزورها، لذلك أعتبر نفسي ابنة العرب جميعا.

 

متى بدأ شغفك بالفن؟ وما قصة دخولك عالم الموسيقى والغناء؟

 

شغفي بالفن بدأ في مرحلة باكرة، لأنني نشأت وكبرت في عائلة فنّية. والدي هو الموسيقار أحمد فتحي، واعتدت على سماع رنّة العود في منزلنا وأنا طفلة. اكتشفت موهبتي وأنا في السابعة من عمري تقريبا، وفي التاسعة بدأت أشارك في مسابقات غنائية في مدرستي على مستوى وزاري حكومي، وفزت فيها أيضا نتيجة لدعم معلّمات التربية الموسيقية اللواتي ساعدنني في المدرسة. كبرت، وكبر شغفي معي، وأحببت أن أحوّله إلى مهنة. قرار امتهان الفن لم يكن سهلا أبدا، ولكنه أتى بعد سنين من المثابرة والدراسة تخرّجت خلالها من الجامعة مع ماجستير في التسويق الاستراتيجي. وفي 2011، بدأ مشواري المهني رسميا في عالم الموسيقى والفن.

 

هل تتذكرين متى كانت أولى إطلالاتك؟ وأين؟ وفي أي مناسبة؟

 

أولى إطلالاتي كانت في دار الأوبرا في الدوحة ضمن برنامج “الموعد الثاني” تكريما لكلمات الأمير “بدر بن عبد المحسن”. وهناك معلومة قد لا يعرفها الكثيرون، وهي أنني صممت إطلالتي الكاملة وقتها بنفسي، من الفستان إلى تسريحة الشعر والماكياج. نسقّت إطلالتي بنفسي، لأنني كنت اسما غير معروف، وأحببت أن أضع بصمتي على إطلالتي الأولى. غنّيت مع أوركسترا سيمفونية، ورافقني أكثر من مئة عازف إلى جانب كوكبة من نجوم الغناء العربي. أدائي كان مباشرا وبالفعل باهرا، وكانت المرة الأولى التي يُذكر فيها اسمي على مسرح.

بلقيس

متى كانت أول حفلة جماهيرية؟

 

أتذكر أنها كانت في الكويت قرابة عام 2013، بعد صدور أغنية “هوى”. وقد استقبلني الجمهور الكويتي بحفاوة كبيرة.

 

من كان داعمك الأول في هذه المسيرة؟

 

الداعم الأول كان والدي، فهو من آمن بموهبتي، ورأى ما يمكن أن يوصلني إليه صوتي على مستوى العالم العربي كلّه. ولا أنسى طبعا دعم الفنان فايز السعيد الذي ساعدني في أول الطريق، وعرّفني إلى الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وتبنّاني فنّيا في البداية.

 

ما شعورك كونك أول نجمة يمنية تترك بصمة في الساحة العربية المليئة بالنجوم؟

 

أنا نجمة إماراتية يمنية. ودمج هاتين الحضارتين والثقافتين في الموسيقى حتى يكون اسمي من الأسماء الفارقة على الساحة الفنية العربية، هو شرف كبير لي أعتز به أكبر اعتزاز. وإن كنت أستطيع تقديم المزيد، فسأقدّمه بكل تأكيد إلى أن نحتلّ الصدارة.

 

معروف أن الحفلات الجماهيرية تتطلب الدقة والتركيز، وفي أحيان كثيرة يسبب أي خطأ أو هفوة إحراجا للفنان. هل وقعت بمثل هذا الخطأ أو تسببت أي هفوة في إحراج لك أو لجمهورك؟ وكيف تعاملت معها؟

 

حصلت بالطبع هفوات، لكن المشكلة الكبرى تحدث حين يكون الحفل منقولا على الهواء مباشرة. أحيانا تخذلنا هندسة الصوت، فلا يكون الصوت مسموعا عند الجمهور، أو لا يكون النقل الخارجي بالمستوى المطلوب. كما قد أواجه أيضا مشكلة في فستاني أو حادثة صغيرة وأنا أسير على خشبة المسرح. تعرّضت لمواقف محرجة، لكنها والحمدلله لم تكن كبيرة. وأعتقد أن معظم الفنانين، إن لم يكن كلهم، يتعرضون إلى مواقف محرجة خلال مناسبات البث المباشر.

بلقيس

إلى جانب والدك النجم، مع من من الملحنين العرب تتمنّين التعاون؟

 

هناك أسماء كثيرة مهمّة في الوسط الفنّي. أتمنى مثلا التعاون مع وليد سعد، ومروان خوري، إضافة إلى أسماء صاعدة ليست معروفة، ولكنها موهوبة للغاية. يجب أن نستغل الطاقات الشابّة بأفضل طريقة، وألا نهدرها أبدا.

 

ما أجمل وأفضل أغنية تعتقدين أنك قدمتها حتى الآن؟ وما الأغنية الحلم بالنسبة إليك؟

 

قدّمت عشرات الأغنيات “الضاربة”. لكن من أجمل ما قدّمت، أغنية “هوى”، لأنها كانت نقطة انطلاق مشواري في عالم النجومية الذي أصبح اسمي فيه معروفا، وتصدّرت في ذلك العام معظم قوائم أفضل الأغنيات العربية. تبعتها ألبومات ونجاحات كثيرة متتالية، لكن “هوى” تبقى عزيزة على قلبي. أما الأغنية الحلم، فهي لن تكون على المستوى العربي، بل على مستوى العالم. هي الأغنية التي ستضع اسمي على خريطة الغناء العالمي.

 

ماذا تقولين للواتي يرغبن في دخول عالم الغناء؟

 

أنصح كلا منهن بأن تتسلح بالعلم والثقافة، لأن ذلك سيميّزها جدا عن كل الموجودين في الساحة الفنية، ويسهّل عليها مشوار النجاح، وهو مشوار طويل وشاقّ وصعب عليها أن تكون على قدر المسؤولية لدى الانطلاق فيه.

بلقيس

هل يمكنك أن تروي لنا قصة أي أغنية جديدة ومراحلها من البداية إلى النهاية؟

 

صناعة الأغنية بالنسبة إلي ليست مجرّد نسخة تجريبية تصلني وأؤدّيها. نستمع إلى اللحن أوّلا قبل أن نركّب عليه الكلام الذي يجب أن يكون عاطفيا أو يحمل رسالة معيّنة، كما في أغنية “عرفتوه” التي تتحدث عن العلاقات النرجسية السامّة، وتصفها بطريقة لا أعتقد أنها وُصفت بها سابقا في أغنية عربية. وفي أحيان أخرى، يكون الكلام موجودا ونركّب اللحن على الكلام. أفضّل عموما أن أبدأ مع اللحن والإيقاع قبل إضافة الكلمات. ثم تأتي مرحلة التوزيع وتوجيه الآلات الموسيقية المختارة وبعدها المكساج أو الدمج الصوتي، وأخيرا الماسترينغ. وأذكر هنا أنني أعتمد في أغنياتي كثيرا على الانسجام أو ما يعرف باسم “الهارموني” الصوتيّ لأن مدى صوتي كبير، ولذلك أسجّل الأغنية على مدى جلستين في الاستوديو تكون إحداهما مكرسة للهارموني فقط، والأخرى لتركيب الصوت. وإذا اخترنا تصوير الأغنية، نبني الفكرة مع المخرج المناسب ونباشر بالتصوير. إذا، من الممكن أن تتطلب أغنية واحدة سنة كاملة.

 

ما أكثر تجربة أداء أثرت فيك؟ ولماذا؟

 

لأي حفلة تجمعني بوالدي، مكانة خاصة في قلبي. تجمع هذه الحفلات بين جيلين مختلفين ونوعين موسيقيين مختلفين، واللحظة التي يقف فيها والدي معي على المسرح تكون الأكثر تأثيرا.

 

ما الرسالة التي تودّين توجيهها إلى الجيل الجديد في الخليج العربي، وللفتيات خصوصا من خلال الغناء والموسيقى؟

 

أن أكون صوت المجتمع. أستوحي أغنياتي من قضايا أستمع إليها يوميا في الحياة العادية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على غرار أغنية “عرفتوه” التي عكست تأمّلي في واقع لمسته يوميا على منصات التواصل الاجتماعي. كنت أجد نساء ورجالا يواجهون علاقات سامّة مع أشخاص نرجسيين، فخطرت في بالي فكرة تناول هذا الواقع في أغنية. عبّرت عن مشكلات النساء في رسائل مغنّاة كثيرة، أذكر منها “أمام مرايتي” عن التنمّر في المدرسة والطفولة والجروح التي قد تكبر معنا، و”التاج” عن الخيانة الزوجية وامرأة حامل يخونها زوجها مع صديقتها، و”حقير الشوق” عن زوجات العسكريين اللواتي فقدن أزواجهن في الحروب، و”انتهى” عن مرحلة الانفصال والخروج من علاقة معينة. ستجدونني دائما داعمة لأي قضية متعلقة بتمكين المرأة العربية من خلال رسالة مغنّاة.

 

هل تعتقدين أن المجتمع الخليجي تأقلم مع التغييرات الإيجابية المتسارعة التي نشهدها، وخاصة فيما يتعلق بدعم المرأة والشباب؟ وكيف تنظرين وبنات جيلك إلى تلك التغييرات؟

 

أرى أن منطقة الخليج العربي من أولى المناطق التي استجابت للتغييرات الاجتماعية والثقافية التي أثّرت فينا، وأنشأت جيلا كاملا، وما زالت تنشئ أجيالا من النساء المتمكنات والمثقفات والمتعلمات. نحن اليوم في زمن نجد فيه بيننا رائدات فضاء وطيّارات وعسكريات ضابطات وإداريات ممتازات.. يشهد الخليج اليوم نموا من كل النواحي، في ما يتعلّق بالتغييرات الاجتماعية والثقافية الحديثة. ونرى بكل وضوح كيف تتبوّأ المرأة مكانة خاصة في مجتمعاتنا.

 

أين ترين جمال المرأة؟

 

بالنسبة إلي، يكمن جمال المرأة في ذكائها وعقلها. تجذبني المرأة الذكية، وذلك أهم من مواصفات مظهرها. لا بأس بالجمال الشكليّ، لكن معظم النساء الجميلات من الخارج اليوم لا يلفتنني بعقلياتهن. أما المرأة التي تكون جميلة من الخارج وذكية، فهي بمنتهى الجمال بالنسبة إلي.

وأين الرجل في حياتك؟

 

الرجل موجود في حياتي. أنا في حالة عشق دائم مع ابني “تركي”، حفظه الله. هو اليوم في سن الخامسة، وأسخّر له وقتي وجهدي وطاقتي. ووالدي طبعا من أهم الناس والرجال في حياتي. بالنسبة إلى العلاقات العاطفية، لم يأتِ بعد الشخص المناسب منذ انفصالي، لكنني أرحّب بالحب، وبشدّة! أحب أن أتعرف إلى الشخص المناسب الذي سيدخل حياتي، ويكون رجلا يحترمني ويقدّرني ويقدّر عملي وتعبي.

 

كونك فنانة مؤثرة، تقومين بعدد كبير من الرحلات تزورين خلالها بلدانا مختلفة. ما الإضافة التي تقدمها هذه الرحلات على الصعيد الشخصي؟

 

السفر بالنسبة إلي هو تجربة أتعلّم منها. لم أسافر يوما دون أن أتعلّم شيئا جديدا، ويبقى السفر مصدر إلهام كبيرا جدا بالنسبة إلي بالصوت والصورة. في الواقع، إن معظم الأفكار التي تخطر في بالي لأغنياتي، تتبادر إلى ذهني وأنا مسافرة. قد أرى قطعة فنية تلهمني أغنية أو صورة أو فكرة لشريط مصوّر.. كل فكرة مميزة أو أيقونية اليوم تحتاج إلى مصدر إلهام، والسفر مصدر إلهام أساسي لي.

 

ما الوجهات التي تركت فيك أثرا مميزا؟

 

الساحل الجنوبي الإيطالي. أسعدتني تلك المنطقة وتركت في نفسي أثرا كبيرا، وعرّفتني عن كثب إلى الشعب الإيطالي. أذكر أيضا لندن التي كنت أمضي فيها سنويا شهرا أو شهرين خلال الأعوام التي درس فيها أخي هناك، والتي عشت فيها أيضا قصة حب جميلة. الولايات المتحدة علامة فارقة في أسفاري أيضا، وزرتها أكثر من مرّة.

 

أخيرا.. ما أحلامك؟

 

في مسيرتي المهنية، أطمح إلى أن أدخل قوائم أفضل الأغنيات العالمية، وأن أحقق المزيد من الإنجازات على مستوى الوطن العربي، وأكون من فناني الصف الأول بجدارة وامتياز وأحافظ على المكانة التي وصلت إليها. أحلم بأن أكمل مشواري المهني، وأحقق المزيد، ليس فقط في مجال الفن ولكن أيضا في الأعمال، فأؤمّن نفسي ماليا خلال السنتين المقبلتين، حتى أعمل بعد ذلك بدافع الشغف فقط، وليس للكسب المادي أيضا.

يمكنك أيضا قراءة