محاور المشاهير عدنان الكاتب يحاور الرئيسة التنفيذية لدار “بوشرون” Hélène Poulit-Duquesne
حوار: عدنان الكاتب
كلما التقيت “هيلين بولي-دوكين” Hélène Poulit-Duquesne الرئيسة التنفيذية لدار “بوشرون” Boucheron أشعر بسعادة بالغة لأنني لا أخرج من اللقاء بكم كبير من المعلومات الغنية فقط بل بطاقة إيجابية ترافقني لمدة طويلة، وهذا ليس رأي أو وجهة نظري وحدي، بل رأي كل الذين عاشروها وعملوا معها عن قرب وتحت قيادتها، وبعضهم بات يتسلم مناصب رفيعة في دور عالمية عريقة منافسة للدار التي تعمل فيها، كلهم يحبونها ويحترمونها ويعترفون بفضلها عليهم ويؤكدون أنهم تأثروا بشخصيتها القيادية القوية والمتواضعة والمرحة في الوقت نفسه.
تعتز “هيلين” بالعلاقة المميزة التي تربطها مع كل فريقها في الدار التي تديرها وكأنها جزء من عائلتها، وخاصة مع المديرة الإبداعية “كلير شوان” Claire Choisne مما ينعكس نجاحا وتميزا على كل المجموعات التي أصدرتها الدار. وهنا أود التأكيد أنني ومن وخلال علاقتي القوية مع أسرة هذه الدار العريقة اكتشفت أن وجود امرأتين على رأس الدار هو نسمة هواء نقي في هذا القطاع تمدّ عالم ساحة فاندوم برؤية متجددة منعشة.
في هذا اللقاء تدخلني “هيلين” إلى عالم أحدث المجموعات الراقية مجموعة “هولوغرافيك” Holographique التي تعرض مقاربة جديدة للتأثير الهولوغرافي، وتستكشف العلاقة بين الضوء والألوان، في 25 قطعة فريدة تختلف بحسب الإضاءة المسلطة عليها، والزاوية التي ننظر إليها منها، والبشرة التي تتزين بها.
تكاد “بوشرون” تكون الدار الوحيدة التي أنتجت مجموعتين من المجوهرات الراقية خلال عام، هل يمكن أن تخبرينا عن سبب ذلك وعن الفرق بين المجموعتين؟
نطلق مجموعتين من المجوهرات الراقية كل عام بالفعل. وهذا العام اطلقنا مجموعة يناير التي تحمل اسم Histoire de Style (تاريخ من الأناقة) وتجسد الأناقة والتاريخ. إنها طريقة لعرض القطع الرائعة التي لدينا في أرشيفاتنا وأسلوبنا الحديث في تفسير تاريخ “بوشرون”. أما مجموعة يوليو فتحمل اسم Carte Blanche أي “حرية الإبداع” باللغة الفرنسية. وفيها نركز أكثر على الابتكار والإبداع، ونوسّع آفاق حدود المجوهرات الراقية. وتتمحور كل مجموعاتنا ومجوهراتنا حول الإبداع والعاطفة والأناقة. وترتكز على أكثر من 160 عاما من الخبرة والتميز في العمل الحرفي.
كيف تحققون التوازن بين التكنولوجيا وإرث “بوشرون”؟
نسعى أنا و”كلير” دائما إلى ابتكار الجديد لكننا لا نعتبر أن الابتكار هو غاية في حد ذاته. بل هو في خدمة العاطفة والشعر والأحلام. وهذا ما يثمر قطعا مفعمة بالعاطفة.
ما كان مصدر الإلهام وراء المجموعة الإستثنائية “هولوغرافيك” Holographique التي تضجّ بالضوء والألوان؟
تبدأ “كلير شوان” دائما عمليتها الإبداعية بحلم، ثم تسعى إلى جعله حقيقة لالتقاط لحظة عابرة. وألفت إلى أنني و”كلير” نتناقش كثيرا طوال عملية الابتكار.
يعود أصل هذه المجموعة إلى مناقشات أجريناها قبل ثلاث سنوات. كنت أشجعها على ابتكار مجموعة موضوعها الألوان، التي لديها وجود قوي في إرث “بوشرون”، لكننا لا نغوص في أعماقها اليوم. ولأن “كلير” لا تعمل بطريقة تقليدية جدا (وهذا ما يجعلها مديرة إبداعية رائعة)، فقد أرادت استكشاف موضوع اللون من خلال مقاربة جديدة، وتجنب الأسلوب الذي قد يكون كلاسيكيا للغاية أي الذي يستخدم أحجارا مثل الياقوت والزمرد والصفير. وللمرة الأولى، عملت على هذا الموضوع، باحثة عن الصلة بين الضوء والألوان وطامحة إلى تمثيلها كلها.
هذا هو في الواقع المعنى الدقيق للتصوير الهولوغرافي، الذي يجمع اسمه بين الكلمتين الإغريقيتين “هولوس” (كل) و”غرافين” (الكتابة)، وهو ما يعني “تمثيل كل شيء”.
كان هناك في الواقع مصدرا إلهام: الأول هو التأثير الهولوغرافي للظواهر الطبيعية، مثل قوس قزح أو الشفق القطبي الشمالي، وتحديدا الشعور بالدهشة والفرح عند مشاهدة مثل هذه الظواهر الطبيعية. أما المصدر الثاني فكان أعمال الفنانين والمهندسين المعماريين “أولافور إلياسون” و”لويس باراغان”، اللذين يعملان على الربط بين الضوء والألوان.
كيف حققتم التأثير الهولوغرافي في القطع؟
منذ اللحظة التي أرادت فيها “كلير” إعادة إنتاج التأثير المتعدد الألوان في كل قطع المجموعة، وجدنا طريقتين لتحقيق ذلك: طريقة كلاسيكية باستخدام الأوبال، وهو حجر يستخدم منذ فترة طويلة في المجوهرات، وينتج بشكل طبيعي تأثيرات مذهلة بدرجات قابلة للتغيير. والوسيلة الثانية كانت العمل بتقنية ابتكرتها شركة “سان غوبان”، وتوفر تأثيرا هولوغرافيا على الأسطح المختلفة. هكذا مزجنا تقنيات “سان غوبان” الصناعية مع عالم المجوهرات الراقية.
وأود التأكيد من جديد على أن الابتكار ليس غاية في حد ذاته في “بوشرون”، لكنه وسيلة لتحقيق أحلام “كلير”.
يحتوي عقد “أوبالسانس” Opalescence على أكثر من 1500 قيراط من الأوبال. أخبرينا عن هذه القطعة.
عقد “أوبالسانس” الذي يحتوي على أكثر من 1500 قيراط من الأوبال الإثيوبي، هو قطعة قابلة للتحويل، إذ يمكن أيضا “بليك-أ-جور” plique-à-jour التقليدية للمينا، واستخدمنا تقنية دهن باللك مع اختيار اللون بعناية، ليعكس لون حبات الأوبال. ولصنع زعانف السمك، لم نستخدم تقنية المسح الضوئي، بل استخدمنا النحت، كما هو الحال في الكثير من تصاميم الحيوانات لدينا. ويمكن وضع العقد من الأمام أو على الظهر، وتم توزيع وزن هذه القلادة بشكل جيد للغاية بفضل أحجار الأوبال التي تتوازن بشكل جميل. أودّ أن أشير إلى أني و”كلير” اشترينا كل قطع الأوبال الموجودة في المجموعة (الخرز، والأحجار المركزية) في فبراير 2020 ، مباشرة قبل الإغلاق الذي فُرض في فرنسا، من أحد المعارض. استمتعت وفرحت حقا بهذه التجربة.
لجأتم إلى صناعة الطيران مجددا لتطوير تقنية تساعدكم على تحقيق رؤيتكم الإبداعية. هلا أخبرتنا أكثر عن الطلاء الهولوغرافي، وكم من الوقت استغرق تطويره؟
يجري الدهن الهولوغرافي برش أكسيد التيتانيوم وأكسيد الفضة تحت درجة حرارة عالية. كان علينا رش نحو عشر طبقات من الطلاء على قطعنا. وبذلك فإن النتيجة اللونية تكون فريدة لكل قطعة، وفق ترتيب الطبقات الموضوعة وسماكتها وعددها. إضافة إلى ذلك، حصلنا على تأثيرات مختلفة بحسب المادة التي وُضع الطلاء عليها. على سبيل المثال، يسمح لنا الكريستال الصخري بتحقيق تأثير هولوغرافي شفاف تماما، بينما ينتج الخزف تأثيرا أكثر كمدة وقتامة. وكانت هذه المرة الأولى التي يعمل فيها مصنع “سان غوبان” مع هذه المواد. علما أن البلور الصخري أحد تواقيعنا إذ كان “فريدريك بوشرون” Frederic Boucheron أول من استخدمه وخلطه بالماس.
ما مدى صعوبة ابتكار قطع باستخدام الطلاء الهولوغرافي؟ وما التحديات الرئيسة؟
كان التحدي الكبير الذي واجهنا هو عجزنا عن توقع الشكل النهائي للقطع في بداية العملية الإبداعية. فعندما التقينا مع ممثلي “سان غوبان” لتطوير الطلاء الهولوغرافي، كان على “كلير” أن تشرح ما أرادت تحقيقه دون أي رسوم، لأننا لم نتمكن من القيام بذلك. صنع الفريق العديد من النماذج بالأحجام الطبيعية لنُظهر لهم ما كنا نتخيله.
لقد عملنا لفترة طويلة، وناقشنا، وأجرينا العديد من الاختبارات بمواد مختلفة (حتى الذهب)، والكريستال الصخري، والسيراميك، ووجدنا الحلول عندما كانت النتيجة لا ترقى إلى مستوى توقعاتنا.
الرحلة كانت متقلبة جدا، وكان صعبا للغاية ابتكار هذا النوع من القطع أثناء الإغلاق بسبب الجائحة. حتى إننا وضعنا اللمسات الأخيرة على بعض القطع قبل ثلاثة أيام فقط من أسبوع الأزياء الراقية، ولم نكن نعرف كيف ستبدو. الجزء الصعب في الابتكار وتجربة التقنيات الجديدة هو أننا لا نسيطر سيطرة كاملة على العملية. كان علينا أن نترك الأمور تسير بشكل تلقائي.
يبدو أن القطعتين “هايلو” Halo و”ليزر” Laser تحملان رموز “بوشرون” إلى المستقبل. ماذا عنهما؟
عقد “هايلو” المطوق للعنق مستوحى من تصميم عقد “مورموريشن” Murmuration ، إلا أنه قطعة جديدة بطبقة هولوغرافية مدهونة على البلور الصخري. التحدي التقني الأهم الذي انطوى عليه هذا الطقم كان الرش على البلور الصخري، وهو مادة طبيعية ذات شوائب. وقد تم دمج مشبكين مخفيين في أشكال الذهب الأبيض المرصعة بالماس على الجزء الخلفي من العقد. تفتح هذه الزخارف لتسمح بلف القلادة حول العنق. ويعمل السوار بالطريقة نفسها ولكن بمشبك واحد فقط.
أما طقم “ليزر”، فهو مستوحى من مجموعتنا الأيقونية “سيربان بويم” Serpent Bohème ، ويعيد تصوّر رمز القطرة مع السيراميك الهولوغرافي وحبات الأكوامارين في وسط كل قطرة. ولدى ابتكار هذه المجموعة اخترنا الأحجار بعد صنع القطع، بحيث تتطابق مع التأثير الهولوغرافي الذي حققناه في البتلات.
وقبل الوصول إلى اللون النهائي، صنعنا 18 قطعة إجاصية الشكل كاختبار بثلاثة ألوان مختلفة وكثافتين لكل لون.
عقد “هولوغرافيك” Holographique فريد حقا، من حيث التصميم والتأثير (يتغير لونه حسب الضوء). ما التحديات التي واجهتكم خلال ابتكار هذا العقد؟
كان صنع هذه القطعة صعبا حقا، لأنه كان من المستحيل تنفيذ رسم بالحجم والألوان التي أردنا الحصول عليها. أنشأنا أولا نموذجا بالحجم الطبيعي باستخدام شرائح بلاستيكية شفافة، وحاولنا إيجاد طريقة لربطها جميعا ببعضها لصنع قلادة حقيقية. ثم أتتنا فكرة إضاءة النموذج باستخدام مصباح “آيفون”، واستعملنا ظلال هذه الشرائح لتصميم هيكل القلادة. ثم قطع الحرفيون شرائح رقيقة جدا من البلور الصخري بسماكة 2 ملم. أخيرا، غطّيناها بعشر طبقات من طلائنا الهولوغرافي، وجمعناها بالماس. أعلم مدى صعوبة تحقيق هذه القطعة، وهي تعبّر جيدا عما أرادت “كلير” التعبير عنه من خلال هذه المجموعة. وقد قدم الحرفيون عملا رائعا لصنع عقد ليّن ومرن تماما!