من مادة سامة إلى أيقونة جمال: اكتشفي قصة أحمر الشفاه

قد يبدو أحمر الشفاه اليوم مجرد منتج تجميلي بسيط، لكن رحلته عبر التاريخ ليست مباشرة على الإطلاق. بمناسبة يوم أحمر الشـفاه العالمي، سنخوض في الاحتفالات والإدانات التي تصاحب منتج المكياج هذا. وسنوضح المواقف المتطورة تجاه أحمر الشفاه المتواضع بمرور الوقت.

أقدم أحمر شفاه معروف

وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإن أقدم أحمر شفاه في العالم يبلغ عمره حوالي 4000 عام. وقد عُثر عليه في منطقة جيروفت في إيران، حيث اكتشف الباحثون قارورة حجرية من الطلاء الأحمر الداكن الذي تم تحديده على أنه أحمر شفاه. كانت حضارة العصر البرونزي المرهسي، التي ازدهرت في جنوب إيران قبل 5000 عام، مجتمعًا بارزًا في بلاد ما بين النهرين. ويعتقد الباحثون أنه خلال هذه الحقبة من التوتر الاجتماعي المتزايد. كما استخدمت النساء معززات الألوان الطبيعية لتبدو جذابة والحفاظ على مكانتهن في الدوائر النخبوية. وهكذا، وُلد أحمر الشفاه.

رد فعل ديني

في البداية، تم قبول أحمر الشـفاه، لكنه واجه انتقادات شديدة في أوروبا في العصور الوسطى. حيث أدانه النقاد باعتباره تجديفًا، ووفقًا لسارة شافر Sarah Schaffer مؤلفة كتاب شفاهنا: تاريخ تنظيم أحمر الشفاه في مقاعد السلطة الغربية Our Lips: The History of Lipstick Regulation in Western Seats of Power ، كان المجتمع في ذلك الوقت يعتقد أن “المرأة التي تضع المكياج يُنظر إليها على أنها تجسيد للشيطان لأن مثل هذا التغيير في وجهها يتحدى الله وصنعته”.

في القرن السابع عشر، وعلى الرغم من هوس الملكة السابقة لإنجلترا وأيرلندا، إليزابيث الأولى، بأحمر الشفاه، كان أحمر الشـفاه مرتبطًا بالسحر. في الواقع، في تلك المرحلة، كان موقف الكنيسة من أحمر الشـفاه شديدًا لدرجة أن النساء كن يُطلَب منهن أحيانًا الاعتراف باستخدام أحمر الشـفاه كجزء من التوبة الدينية.

المعايير الاجتماعية وثنائية اللون

كان ارتباط أحمر الشـفاه بالمكانة الاجتماعية متباينًا بشكل كبير في مختلف أنحاء أوروبا خلال عصر النهضة. ففي فرنسا، كانت المعايير الاجتماعية تقضي بأن النساء من ذوي المكانة الاجتماعية العالية فقط هن القادرات على وضع المكياج، في حين كان من المتوقع أن تظهر العاهرات بدون مكياج.

وعلى النقيض من ذلك، كانت نساء الطبقات الدنيا في لندن هن من يحرصن على استخدام مكياج لامع وجريء، في حين كانت نساء الطبقة العليا يفضلن المظهر الأكثر طبيعية. وقد عكس هذا التناقض في استخدام المكياج المواقف الاجتماعية الأوسع والتمييز الطبقي في ذلك الوقت، الأمر الذي يوضح كيف يمكن لأحمر الشـفاه أن يدل على التمكين والطبقية الاجتماعية.

أحمر الشـفاه كرمز للصمود في زمن الحرب

شهد القرن العشرين تحولاً جذرياً في دور أحمر الشـفاه، وخاصة في أمريكا. ومع تحول المنتج إلى صناعة رئيسية، تطور تسويقه. ولم يروج المنتجون له كمنتج تجميلي فحسب، بل كجزء أساسي من المجهود الحربي، ويرمز إلى الأنوثة المرنة ويعزز الروح المعنوية لكل من النساء والجنود. وأطلقت شركات مستحضرات التجميل الرائدة بعض الحملات حول قوى أحمر الشفاه في تعزيز الروح المعنوية. وسلطت إحدى هذه الحملات، التي حملت عنوان “الحرب والنساء وأحمر الشـفاه”، الضوء على الدور الوطني للمنتج.

وقد ربطت الدراسات بشكل مباشر بين المكياج وتحسين الروح المعنوية، الأمر الذي دفع القيادة الأميركية إلى تزويد غرف تبديل الملابس في المصانع بأحمر الشـفاه للعاملات. بل إن قوات مشاة البحرية فرضت على الجنديات استخدام لون محدد، أحمر مونتيزوما، كجزء من زيهن الرسمي.

الرمزية النسوية والتمرد الحديث

في عشرينيات القرن العشرين، ظهر أحمر الشفاه كرمز للتقدم النسوي. فقد أصبح علامة على الحداثة والاستقلال. استخدمت النساء أحمر الشفاه القرمزي لتحدي المعايير المجتمعية. واحتضنته كشارة للتحرر النسوي. ومع ذلك، يُزعم أن الموجة الثانية من النسوية جلبت رد فعل عنيف من النساء اللائي رفضن أحمر الشفاه. كرمز لإخضاع الإناث والاستغلال التجاري.

أحمر الشـفاه في القرن الحادي والعشرين

على الرغم من الجودة المشكوك فيها باستمرار. فإن الطلب على منتجات الشفاه الجديدة في القرن الحادي والعشرين لا يمكن تفسيره وضروري. تستكشف جيسيكا ديفينو، كاتبة عمود الجمال. هذه النظرية في مدونتها Substack، حيث تقول: “بلسم الشفاه الذي يتطلب إعادة التطبيق باستمرار لا يضرب المستهلكين باعتباره عيبًا في المنتج، بل كفرصة لتحقيق هدفهم الشخصي: شراء الأشياء”.

كما تصف هذا الشراء القهري لمنتجات الشفاه بأنه “السماح للمرأة العادية. بالمشاركة في نفس الأنشطة الفاخرة مثل المشاهير مثل كايلي جينر أو هايلي بيبر، مما يمنحها شعورًا عابرًا بالاتصال والانغماس”.

لذلك، يظل أحمر الشـفاه وملمع الشفاه أكثر من مجرد مكياج، حيث يعكسان التحولات المجتمعية الأوسع على مر السنين. فضلاً عن السعي المستمر للتعبير عن الذات في عالم سريع التغير.