دراسة: الحمل خطير بشكل صادم لبعض الأمهات

في حين أن معدل الوفيات النفاسية في الولايات المتحدة آخذ في الارتفاع، تشهد البلاد العربية وفاة عدد أقل من الناس أثناء الحمل والولادة.

توفي ما يقرب من 300 ألف سيدة أثناء الحمل أو الولادة حول العالم في عام 2020. ويشمل ذلك الولايات المتحدة، حيث ترتفع معدلات وفيات الأمهات في ذلك البلد رغم ارتفاع معدلات الرعاية الطبية والصحية. لكن معدل وفيات الأمهات في البلاد العربية انخفض لنفس الفترة.

حياة جديدة .. تجربة فريدة

الحمل يعني حياة جديدة لمعظمنا. وتجربة فريدة في كل مرة، حيث يأتي طفلك إلى هذا العالم. ولكن في كثير من الحالات، يعني الحمل أيضًا نهاية الحياة للأمهات. في أواخر فبراير 2023، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا جديدًا عن وفيات الأمهات حول العالم. ووصف التقرير كيف تموت امرأة واحدة كل دقيقتين بسبب الولادة أو مضاعفات الحمل.

وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: إن “الحمل لا يزال تجربة خطيرة بشكل مأساوي بالنسبة للملايين حول العالم”. في عام 2000، بلغ المعدل العالمي لوفيات الأمهات 339. وهذا يعني أن 339 امرأة حامل في سن الإنجاب توفت لكل 100 ألف ولادة حية. وفي عام 2020، بلغ معدل وفيات الأمهات العالمي 223.

فشل عالمي

ولكن وفقا لتقرير الأمم المتحدة، فشلت معظم البلدان في جميع أنحاء العالم في خفض معدل الوفيات النفاسية بشكل ملحوظ خلال فترة العشرين عاما تلك. ويقول تقرير الأمم المتحدة إنه كان هناك انخفاض طفيف بين عامي 2000 و2015، لكن منذ عام 2016 ظل معدل وفيات الأمهات العالمي في حالة ركود. وقالت جيني كريسويل، العالمة في منظمة الصحة العالمية والمؤلفة المشاركة للتقرير، إن هذا غير مقبول.

وقال كريسويل لقناة دوتشه فيله DW: “الركود ليس جيداً بما فيه الكفاية على الإطلاق. كما إن هدف التنمية المستدامة هو خفض معدل وفيات الأمهات على مستوى العالم إلى أقل من 70 حالة وفاة للأمهات لكل 100 ألف ولادة حية بحلول عام 2030. ونحن حاليا بعيدون عن المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف”.

مؤخرا؛ ارتفاع معدل وفيات الأمهات

وفي بعض البلدان، بما في ذلك البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة، كان معدل الوفيات النفاسية في ارتفاع لسنوات عديدة. وبأكثر من 23 دولة، فإن الولايات المتحدة لديها أعلى معدل وفيات الأمهات بين جميع البلدان الصناعية. حيث ارتفع المعدل بنحو 78% بين عامي 2000 و2020. ومع انخفاض الأعداد الإجمالية، فإن حتى التغييرات الطفيفة تؤدي إلى زيادة كبيرة في النسبة المئوية للرقم. لكن هذا لا يغير حقيقة أن عدد النساء الحوامل اللاتي يتوفين أثناء الحمل أو الولادة أو بعد ذلك بوقت قصير، آخذ في الارتفاع منذ عقود في واحدة من أغنى البلدان في العالم.

وقالت منيرة جونجا، الباحثة البارزة في صندوق الكومنولث، وهي مؤسسة تدعم الأبحاث المستقلة حول قضايا الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، إنه ليس من السهل تفسير سبب ارتفاع معدل وفيات الأمهات في الولايات المتحدة. كما أضافت جونجا إن عددًا من العوامل قد تساهم في الوضع، بما في ذلك “الكثير من الحالات الصحية الأساسية التي كانت في ارتفاع منذ سنوات حتى الآن”.

ضعف الرعاية الصحية وعنصريتها

ثم هناك حقيقة مفادها أن العديد من الأميركيين ليس لديهم تأمين صحي ولا يستطيعون زيارة طبيبهم. كما ارتفعت تكلفة الخدمات الصحية ولم يعد الفقراء يستطيعون الحصول عليها. وهناك نقص في القابلات اللاتي يمكنهن مساعدة الناس خلال فترة الحمل. أيضا قالت جونجا: “إن معدل تخطي الأشخاص في الولايات المتحدة الرعاية الطبية أعلى بشكل كبير مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى”. كذلك أضافت أن كل ذلك يأتي معًا للمساهمة في “هذا المعدل غير المقبول لوفيات الأمهات”.

ولكن هذا ليس كل شيء. إن معدل وفيات الأمهات بين الأمريكيين السود أعلى بحوالي ثلاثة أضعاف منه بين الأمريكيين البيض. وقالت جونجا إن هذا الاختلاف الصارخ يرجع إلى “العنصرية الهيكلية”. “الأمريكيون السود في وضع غير مؤات منذ البداية: أين يعيشون، ومستوى تعليمهم، ووظائفهم ورواتبهم. وعندما يذهبون إلى الطبيب، غالبًا ما يواجهون عنصرية مباشرة”.

تغيير الرعاية الصحية على مستويات متعددة

وقالت جونجا إنه سيحدث فرقًا كبيرًا بالفعل إذا كانت هناك قابلات أكثر نشاطًا في الولايات المتحدة. حيث تستطيع القابلات بناء علاقة وثيقة مع المرأة الحامل، والعناية بها في المنزل، والتحقق منها خلال فترة ما بعد الولادة أيضا . وهي الفترة التي تحدث فيها نصف وفيات الأمهات في الولايات المتحدة. لكن الأمور قد تحتاج أيضًا إلى التغيير على المستوى السريري وعلى مستوى السياسة. وقالت أوشا رانجي، المديرة المساعدة لسياسة صحة المرأة في مؤسسة كايزر فاميلي، وهي منظمة غير ربحية تركز على القضايا الصحية في الولايات المتحدة: إنه على المستوى السريري، يحتاج أخصائيو الرعاية الصحية إلى اكتشاف العلامات التحذيرية قبل وأثناء وبعد ولادة الطفل.

كما أضافت رانجي: “كانت بعض العوامل التي ساهمت في وفيات الأمهات هي النزيف أثناء الولادة وبعدها. فضلاً عن الإنتان (تسمم الدم) وتسمم الحمل ومقدمات الارتعاج (النوبات أثناء الولادة)”. عندما تمر هذه الأشياء دون أن يلاحظها أحد، فإنها يمكن أن تكون مميتة.

علاوة على ذلك فإن التدريب بين الأطباء والممرضات آخذ في التحسن، وأولئك الذين عملوا في المخاض والولادة. كما أن هناك “تركيزًا أكبر على الاستماع والتواصل بشكل أفضل مع المرضى”. وعلى مستوى السياسات، قالت رانجي إنه من المهم للغاية حصول الجميع على التأمين الصحي لأن 10% من النساء في سن الإنجاب ما زلن غير مؤمن عليهن في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، فإن احتمال سعيهن للحصول على الرعاية الطبية التي يحتجن إليها والحصول عليها أقل. وقالت رانجي: “من المهم أن يحصل الناس على رعاية جيدة قبل الحمل” للتأكد من أنهم يتمتعون بصحة جيدة بشكل عام. “لكن من الصعب الحصول على الرعاية عندما لا يكون لديك تأمين صحي”.

الدول العربية: على الطريق إلى قصة نجاح

ويقول تقرير الأمم المتحدة إن منطقة الشرق الأوسط هي واحدة من مناطق العالم القليلة التي ينخفض ​​فيها معدل وفيات الأمهات. وشهدت الدول العربية تحسنًا في معدلات وفيات الأمهات. كما انخفضت وفيات الأمهات بأكثر من 44% بين عامي 2000 و2020. وفي عام 2020، بلغ معدل وفيات الأمهات في الدول العربية 80 حالة. وهذا لا يزال أعلى بكثير من معدل وفيات الأمهات في الولايات المتحدة. ولكن في حين ارتفعت الوفيات النفاسية في الولايات المتحدة بمعدل سنوي قدره 2.88% في الفترة من 2000 إلى 2020، فإنها انخفضت بمعدل سنوي قدره 5.64% في الدول العربية خلال نفس الفترة الزمنية.

وتشير بعض التقارير الإحصائية العربية إلى أن الدول العربية بدأت ترى فوائد الاقتصاد الأكثر تحرراً ونمواً في العقدين الماضيين. حيث كان هناك انخفاض عام في الفقر المدقع، وزيادة مستمرة في المحددات الرئيسية مثل تعليم المرأة ودخلها، والبنية التحتية المتنامية وتراجُع الصراعات.

العوامل الاجتماعية

وتساهم هذه العوامل الاجتماعية جميعها بشكل كبير في تحسين صحة الأم ومنع الوفيات أثناء الحمل وبعده، بحسب تقرير الأمم المتحدة. والدول العربية التي شهدت انخفاضًا في معدلات وفيات الأمهات خلال العشرين عامًا الماضية حققت تقدمًا جيدًا فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية. وغيرها من المجالات المهمة التي تلعب جميعها دورًا. كما أظهرت بعض الحكومات العربية (كدول الخليج العربي) التزاماً سياسياً مستداماً بزيادة فرص حصول المرأة على خدمات الأمومة الجيدة.

معالجة التفاوت بين الدول العربية

لكن الخبراء يقولون إن الدول العربية تحتاج إلى مزيد من الالتزام السياسي لنشر هذه التحسينات في جميع أنحاء البلاد. وتشير جامعة الدول العربية والمنظمات التابعة لها إلى أنه للوصول إلى هدف التنمية المستدامة (معدل وفيات الأمهات أقل من 70)، يجب أن يحظى التفاوت بين الدول العربية بمزيد من الاهتمام. لقد حققت عدد من الدول العربية هدف التنمية المستدامة. حيث يبلغ معدل وفيات الأمهات في دولة كجزائر 10. وهو ليس أدنى معدل في الدول العربية، ولكنه أقل من معدل وفيات الأمهات في الولايات المتحدة.

وعلى الطرف الآخر من الطيف، توجد دول مثل العراق، حيث يبلغ معدل وفيات الأمهات 175، أي أكثر من 17 مرة أعلى من معدل وفيات الأمهات في الجزائر. ولكن حتى في الجزائر تسير الأمور في الاتجاه الصحيح. فقد استثمرت الحكومة الجزائرية العديد من الدول العربية كليبيا ودول الخليج وحتى في الصومال وجيبوتي في البنية التحتية الطبية وزادت عدد العاملين الطبيين القادمين من دول كمصر وسوريا.