محاور المشاهير عدنان الكاتب يحاور المصممة المبدعة مي بربر
حوار: عدنان الكاتب Adnan Al Kateb
حين يلتقي محاور المشاهير عدنان الكاتب مدير تحرير مجلة “هي” ، بشخصية ما، فنعرف مقدما أن هناك شذى في طريقه إلينا، عبقه وعبيره يحملان إلينا نسمات جديدة ومعلومات أكيدة، وهذا ما وجدنا حقيقية في حواره مع المهندسة مي بربر، حيث كتب يقول:
رغم أنها ولدت وعاشت وتربت في أبوظبي، ما زالت الشابة السورية الأصل المهندسة والمصممة المبدعة مي بربر تعشق الياسمين الدمشقي وتنشر عطره إبداعا متالقا في كل عمل تقوم به، فمنذ طفولتها وهي تتميز بالنجاح الأكاديمي، حيث تخرجت الأولى على إمارة أبوظبي، ومن أوائل دولة الإمارات، وفازت بجوائز على صعيد الشعر والإلقاء والخطابة، ودرست الهندسة المعمارية والأدب الإنجليزي، ومن ثم التصميم والموضة، واكتسبت خبرات متعددة من أسفارها ولقاءاتها، وهي تقيم حاليا مع عائلتها في دبي، وتدير بوتيكها الفريد من نوعه الكارتل The cARTel، الذي حرصت على أن تجمع فيه كل أنواع الفنون والإبداع بما فيها الأزياء والاكسسوارات.
حدثينا بداية عن كيفية دخولك عالم الإبداع والفنون .. وماذا أعطاك وماذا أخذ منك؟
عالم الفنون جميل وغني بالإلهام.. غيّر نظرتي إلى الحياة والأمور، وجعلني أبحث دائما عن الجمال والإلهام، وساهم في تحسين ذوقي ونظرتي للكتب والأفلام والفنون وكل شيء من حولي.
يأخذني عالم الفنون دوما إلى آفاق بعيدة فيزيد من ثقافتي وفكري، وبالدرجة الأولى أعطاني الوسط الجميل، والذي من خلاله تعرفت إلى أبرز المفكرين وأشخاص ذوي عقول جميلة، وأرواح مرهفة ومواهب عدة.
لا أستطيع الجزم بأنه أخذ مني أي شيء، قد يكون أخذ من وقتي ومن فكري، ولكن هذا أمر جيد لأنه استثمار مفيد للوقت والذاكرة.
من أين أتت فكرة بوتيكThe cARTel؟ وما مراحل تأسيسه والصعوبات التي واجهتك وتواجهك حاليا؟
فكرة البوتيك بدأت لدى شريكي في العمل بيتر ريشوايز الذي تجمعني به صداقة وطيدة، بدأت الفكرة بتأسيس مساحة للفنانين المعاصرين الناشئين لعرض أعمالهم، ومن ثم قمت بالإضافات وتطويرها إلى مساحة للمعارض والفنون، وإنشاء مجلة والتعاون الفني مع مواهب عدة من كل أنحاء العالم.
في البداية واجهتنا مصاعب عدة، منها الموقع الجغرافي، حيث لا يعرف العديد من الناس موقع السركال أفنيو أو منطقة الفنون في دبي، والعقبة الأخرى كانت تقبل الناس لفكرة الملابس والمعروضات، وجرأة الطرح عوضا عن التسوق في المولات ومن ماركات معينة، فلم تعني لهم الأسماء الشابة شيئا، ولكننا بالتصميم والمثابرة وجدنا لكل تصميم حكاية، وجعلنا من الحكاية حدثا، إلى أن اختزل الكارتل بتاريخ قد يكون وجيزا من ناحية العمر، لكنه غني من ناحية الإنجازات.
من الذين يتعاملون مع البوتيك؟ وهل لديهم طلبات محددة؟
يتعامل مع البوتيك عدد كبير من أرفع وألطف الناس من ذوي الأذواق المميزة والجرأة وحب الاستكشاف. وقد فوجئنا بأن نسبة كبيرة من زبائننا هن من النساء العربيات الأنضج أو الأكبر سنا، ما يبرهن على أن المرأة العربية متجددة في ذوقها ومواكبة للمواهب الجديدة.
ما أجمل عمل أو تصميم تعتزين به؟ وما العمل الحلم بالنسبة لك؟
من الصعب تحديد أجمل عمل، فكل له نكهة خاصة. أحببت بشدة مشروعي في تصميم سكن العمال، والذي أراه نموذجا حيا عن فن العمارة الاجتماعية والتي من شأنها أن تحسن من حياة الناس عبر التصميم.
أحب المعارض التي نظمتها، ومن أبرزها معرض رعد حوراني العالمي، والذي استضافناه للمرة الأولى في الشرق الأوسط. أحببت مجلة الكارتل الغنية بمقالاتي ونظرتي للموضة، ليس فقط باعتبارها مادة تجارية، بل لأنها حركة فنية تاريخية لها قيمتها الفنية وأثرها في المجتمع.
العمل الحلم هو أن أبدأ مجموعتي الخاصة بالأحذية.. لدي العديد من الأفكار المميزة التي تمزج التصميم بالتكنولوجيا، ولكن هذا المشروع يتطلب التفرغ.. أحب أيضا أن يصل صوتي إلى شريحة كبرى عبر عمل تلفزيوني يسلط الضوء على الفنانين والمصممين خارج الإطار المألوف.
هل أنت مع من يقولون إن المرأة أقل نجاحا من الرجل في عالم الفنون، وخصوصا الرسم والتصميم؟ ولماذا؟
لا أبدا، المرأة توازي الرجل، وتكمل الرجل، وقد تتفوق عليه أحيانا. الفن والإبداع لا هوية لهما ولا عمر ولا جنس.
الفن هو حالة خاصة من الإبداع قد ينجح فيها أي إنسان، سواء دخل إلى هذا المجال عبر الدراسة الأكاديمية، أو من خلال تدريب خاص، لكنه موهبة في التواصل مع الحواس. فالرسم مهارة قد يتعلمها الفرد في المؤسسات، لكن التواصل مع المادة، سواء كانت الألوان أو القلم أو المقص هو موهبة تتطلب إحساسا عاليا وتفانيا صادقا.
ما أصعب المواقف التي واجهتها؟ وما أجملها؟
أصعب المواقف هو محاولة النجاح على الصعيد المادي، فالفن والتصميم والموضة قد تنال إعجاب الكثيرين، ولكن أحد عوامل النجاح هو الانتشار المادي.
أجمل المواقف هو التعرف إلى كم هائل من العقول التي أعدها خيرة الناس، فالوسط المرتبط بالفن مليء بأرقى الشخصيات. لا أنسى لقائي بمارزونا في برلين عام 2013، الذي يعد صاحب أكبر مجموعة للفن المفاهيمي في أوروبا، فقد أطلعني في زيارة خاصة على مقتنياته الفنية، والتي شملت أعمالا من أهم فنانين ومهندسي القرن.
عام 2008 فزت بجائزة المعماري الشاب الأول في معرض سيتي سكيب العقاري في دبي. ولم نسمع بعد ذلك عن مشاريع شاركت بها أو جوائز فزت بها، لماذا؟ وهل أثر افتتاحك للبوتيك في عملك الإبداعي؟
على العكس تماما، فبعد هذه المسابقة قدمت مشروعي لمسابقة طرحت عبر مجموعة الإمارات للأراضي عام 2012، وفاز مشروعي بالمركز الأول، وكنت المتسابقة الوحيدة التي قدمت بوصفي مهندسة، وليس باعتباري شركة.
لم يكن لدي طاقم عمل، وكنت قد رزقت بابنتي حديثا، ولكن كان لدي الدافع لأعود مرة أخرى إلى ورشة التصميم وتقديم أفضل ما عندي.
لا شك في أن البوتيك والمجلة يأخذان جزءا كبيرا من وقتي، ولكنني أمارس الهندسة في العديد من القرارات عبر تصميم التجهيزات الخاصة بالمعارض التي نقدمها، أو خلفيات التصوير إلى أصغر التفاصيل.
أعمالك وتصاميمك غريبة بعض الشيء وخارجة عن المألوف، هل هناك رسائل محددة توجهينها من خلالها؟
أعمالي مستوحاة من الفن المعاصر الذي يحث على الإبداع والابتعاد عن المألوف. وليس لدي رسائل معينة، ولكن هدفي دائما هو الراحة والجمال والبساطة والاستمتاع بالعمل بكل مراحله.
وهل تلقى هذه التصاميم والأعمال رواجا بين السيدات العربيات؟ ومَن أبرز زبوناتك؟
نعم تلقى هذه التصاميم والأعمال رواجا عاليا بين السيدات العربيات، ومنهم شيخات وسيدات المجتمع وطالبات الجامعات، إضافة إلى السياح والعاملين في الوسط.
ما أحدث تصاميمك؟ ومتى تتوقعين أن تقدمي معرضا أو عرضا كبيرا يحمل اسمك فقط؟
أعمل حاليا على أكثر من مشروع، فأنا أترأس تحرير مجلة الكارتل، والتي تصدر مرتين في السنة، ونحن بصدد طرح العدد الجديد، كما أننا سنقدم تجربة متميزة تمزج بين الفن والموضة والتكنولوجيا ضمن مدينة دبي للتصميم وغيرها من الفعاليات.
هل أنت راضية حتى الآن عن مردود عملك ماديا ومعنويا، وأيهما الأهم بالنسبة لك؟
الرضا المعنوي دائما أهم، لأنه يحفز على العطاء، ولكن الرضا المادي ضروري أيضا، لأن واقع المادة لا مفر منه.
أحيانا أشعر بالفخر والسعادة، خصوصاً بعد إطلاق حملة ناجحة أو مجموعة مميزة، ولكن لا وجود للرضا المطلق، لأنني دائما أرغب في الأفضل.
هل لديك فريق خاص يدير أعمالك ويقدم لك النصائح ويساعدك في التصميم والتنفيذ أم أنت من تتولين كل شيء؟
في مجال التصميم ليس لدي أي طاقم، ولكنني أحرص على استشارة المختصين، حيث إن النصائح مفيدة، وقد تلفت انتباهي إلى أمور مختلفة. أطمح إلى بناء فريق متكامل في المستقبل، ولكن يجب أن يتمتع بالتناغم أو «الهارموني» قبل كل شيء لأنني أؤمن بهذا المفهوم إلى حد كبير.
باعتبارك متخصصة في الهندسة، ما رأيك فيما حققته المرأة العربية في هذا المجال؟
أنا فخورة بإنجازات المرأة العربية، وأنظر دوما بإعجاب إلى زميلاتي اللاتي تخرجن معي، وأصبحن يعملن في مؤسسات عالمية في لندن ونيويورك. أعتقد أن البلاد العربية تتطلب فتح المجال للمواهب الشابة، والابتعاد عن «استيراد» التصاميم المعمارية من الخارج، فالأقدر على فهم الأرض والبيئة العربية هم أبناؤها.
يعتقد الكثيرون أن لا نجاح للمرأة من دون مساعدة الرجل، فهل هذا صحيح برأيك؟ وهل يتفهم الرجل العربي عموما إبداع المرأة أم ما زالت نظرته فوقية؟
أعتقد أن المرأة قادرة على النجاح من دون الرجل، لكنها ترفض أن تخوض التجربة من دونه.
الرجل العربي قد يغار من نجاح المرأة، ولكن هناك نماذج عديدة لرجال ارتقوا بزوجاتهم، وأعطوهن أسمى أنواع الدعم والتفهم.
ما الرسالة التي تودين توجيهها للفتيات والسيدات العربيات لحثهن على الاهتمام بالفنون والتصميم؟
أهم عامل هو المطالعة والقراءة والتعلم, لقد أصبحنا في زمن تعددت فيه الوسائل للحصول على المعرفة، ولكن يزيد فيه الجهل ونقص الثقافة. ثقافة الفن والتصميم هي ثقافة راقية تشغل الذهن والقلب والجسد، وأود أن أوجه للفتيات العربية رسالة للمطالعة والحرص على الثقافة، وعدم التخوف من الدخول إلى صالة غاليري حتى ولو بدا الفن المعروض غريبا. ليس المهم فهم الفن، بل الأهم هو التواصل معه ومع أنفسنا.
هل لديك وقت للتأمل؟ وبماذا تفكرين عندما تكونين وحيدة؟ وهل تمارسين أي هواية؟
أنا دوما أفكر ولا أنقطع عن التفكير في حياتي وابنتي وهمومي وآمالي. أعشق القراءة والسفر والفن ومشاهدة الأفلام الجيدة، والأهم قضاء الوقت مع ابنتي.
أخيرا ما الذي يسعدك؟ وبِمَ تحلمين؟
سعادتي في الحلم، فقد تعلمت أن السعي وراء الحلم أجمل من تحقيقه. المواقف العظمى تسعدني وتأخذني.. كنت في باريس في يناير، وزرت مبنىFondation Louis Vuitton، الذي صممه المعماري فرانك غيري، وأخذتني روعة التصميم، وأعجبني كثيرا معرضOlafurEliassonالذي دمج الضوء والمرايا والماء لأخذ المشاهد في تجربة بصرية غريبة من نوعها تركتني في حالة سعادة لا توصف.