حوار خاص مع المهندسة الشابة مي بربر مؤسسة مشاريع دعم انطلاق المصممات العربيات
على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على أول حوار لي مع هذه الشابة والمصممة المبدعة ما زال الكثير من صدى كلماتها يتردد في ذهني، فمن الصعب أحيانا أن تغادر ذاكرتنا عبارات غنية بالثقة والحكمة والمعرفة، فهل هناك أجمل من أن تتباهى امرأة بزميلاتها ومثيلاتها قائلة: “أنا فخورة بإنجازات المرأة العربية وأنظر دوما بإعجاب إلى زميلاتي اللاتي تخرجن معي وأصبحن يعملن في مؤسسات عالمية في لندن ونيويورك”، وهل هناك أفضل من مبدعة تتمسك بجذورها وبمواهب بنات بلادها وبيئتها: “علينا فتح المجال للمواهب الشابة، والابتعاد عن استيراد التصاميم المعمارية من الخارج، فأبناء الأرض والبيئة العربية هم الأقدر على فهمها”.
يسعدني أن أحاور مرة أخرى المهندسة الشابة السورية الأصل مي بربر، التي درست الأدب الإنجليزي إلى جانب الهندسة المعمارية، وهي حاليا استشارية إدارة العلامات في تصميم الأزياء، وأسست الكثير من المشاريع لدعم انطلاق المصممات العربيات عالميا، بينهن الكثير من المصممات السعوديات والخليجيات، كما أنها تواصل من دبي العمل والإشراف على مشروعا الفريد من نوعه الكارتل The cARTel، الذي يجمع فيه كل أنواع الفنون والإبداع، بما فيها الأزياء والإكسسوارات.
ما الذي تغير منذ بداية الكارتل The cARTel حتى الآن؟
عندما بدأت مشروع الكارتل في عام 2012 كان هدفي دعم مصممي الأزياء الناشئين عبر توفير مساحة لعرض وبيع أعمالهم، ومن هنا انطلقت فكرة البوتيك للمواهب الناشئة، وأتبعت ذلك بإنشاء الغاليري لاستضافة مجموعة متميزة من المعارض الفنية ذات طابع الفاشن لخلق جو من الوحي والإلهام، وأسست أيضا مطبوعة سنوية لتدوين ونشر أعمال هؤلاء المصممين. وخلال السنوات الماضية عملت مع أكثر من 150 مصمما ومصممة ناشئين من مختلف أنحاء العالم: اليابان والصين وفرنسا والدنمارك وإيطاليا والمملكة المتحدة والإمارات والسعودية ولبنان وصولا إلى المكسيك وكولومبيا، وأطلقت هؤلاء المصممين نحو العالمية، وكل مصمم مختلف عن الآخر سواء في الهوية الفنية أو حتى في مستوى الحرفية. وانطلاقا من نتاج خبراتي في المجال عبر السنوات الماضية أطلقت برنامج إدارة العلامات التجارية Brand Management عبر الكارتل، وينطلق البرنامج من مبدأ دعم المصممين الناشئين نفسه، ولكن عبر تقديم خدمات استشارية لضمان نجاحهم في مسيرتهم المهنية ودعمهم للانطلاق عبر العالمية.
أطلعينا على برنامج الكارتل لإدارة العلامات والخطوات التي تساعدين من خلاله المصممين الناشئين؟
السوق العالمي لتصميم الأزياء مليء بالأسماء المتنوعة، وكل يوم تزداد المنافسة حدة، لذلك أطلقت برنامج إدارة العلامات لأنه من الضرورة الحتمية لأي مصمم ناشئ اليوم أن يجمع بين الإبداع والإدارة، أي خلق توازن بين الفن والتجارة، وهو الذي يؤمنه البرنامج.
من خلال إدارة العلامات أتعامل مع الكثير من المصممين الناشئين الذين يتواصلون معي رغبة منهم بالتطور على الصعيد الفردي والمهني.
أبدأ البرنامج بمراجعة تاريخ المصمم ومراجعة أعماله وتحديد التحديات التي تواجهه، وأحدد المجالات التي ينبغي علينا العمل عليها من أجل النجاح والاستمرارية في هذا العالم المتغير.
ومن خلال إدارة العلامات أتعامل مع مصممين في مراحل مختلفة، فالبعض يكون في بداية المشوار ويرغب في تأسيس علامة ذات طابع متميز، والبعض الآخر له باع أطول في المجال وعمل في تصميم الأزياء لسنوات، ولكنه يفتقر إلى بعض الخبرات، ويريد أن يوسع آفاقه وفرص النجاح.
تتراوح مدة العمل ما بين 6-12 شهرا، أطور من خلالها الكثير من الاستراتيجيات في مجالات متنوعة، ويتضمن العمل جلسات متخصصة تعالج آفاقا مختلفة، مثل خلق وتطوير هوية فردية العلامات (DNA)، وهي من أهم العناصر للنجاح، وتحديدا كيفية تسعير الأعمال، وآلية التعامل مع الشراء، ومهارات التسويق الإلكتروني، وفهم وخوض الأسواق العالمية، والإدارة المالية للعلامات وغيرها من المجالات، ولا توجد وصفة واحدة لإدارة العلامات، فأنا أصنع استراتيجيات خاصة وملائمة طبقا لاحتياجات المصمم، ولكن هناك وجود لوصفة للنجاح ترتكز على مواجهة التحديات وتوفير المهارات اللازمة.
من خلال عملي مع المصممين المحليين لاحظت أن طموحهم يقتصر على البيع في أسواق دول الخليج، وهي من ضمن الأسواق التي نتعامل معها ولدينا باع وخبرة كبيرة فيها.
ولكنني ومن خلال إدارة العلامات أوسع آفاق المصممين إلى أسواق عالمية مختلفة من شأنها أن تدر عليهم مردودا أعلى ماديا ومعنويا وتدفع أسماءهم إلى الساحة العالمية لتصميم الأزياء.
وكيف كان التجاوب مع البرنامج خصوصا أن الساحة المحلية تفتقر إلى منصات متخصصة في دعم وإرشاد المصممين المحليين؟
التجاوب كان مشجعا جدا، خصوصا من قبل الباحثين والباحثات عن التميز والانطلاق عالميا.
لاحظت من خلال خبراتي وأسفاري وتعاملي مع المصممين الناشئين في باريس ولندن ونيويورك أن الموهبة العربية والخليجية باستطاعتها أن تنافس المواهب العالمية، ولكن المنهجية تتطلب العمل على إدارة جميع الجوانب للعلامة، فالموهبة وحدها لا تكفي.
العام الماضي أطلقت بعض الأسماء المحلية للبيع في السوق العالمي مثل علامة “رولا غلاييني للحقائب”، وعلامة “بنت ثاني للأزياء”، وأصبحتا الآن تبيعان أعمالهما لأسواق عالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا عن طريق شراكتي الاستراتيجية مع موقع Farfetch.com، وفي جعبتي اليوم بعض الأسماء الحديثة لمصممات من السعودية والإمارات اللاتي يتميزن بالموهبة والطموح، وهن حاليا في طور الانطلاق للعالمية ضمن برنامج الكارتل لإدارة العلامات، وسأطلقهن ضمن أسبوع باريس للموضة في أكتوبر 2018.
مشروع إدارة العلامات، هل يستهدف الأسماء العربية فقط؟
بداياتي كانت بالتعامل مع المصممين العالميين وتزويدهم بالاستراتيجيات للانطلاق نحو السوق الخليجي، وبدأت العمل معهم وهم في مراحلهم المبكرة، والآن أصبحوا من أهم الأسماء في عالم الموضة والملابس الجاهزة وحصلوا على الكثير من الجوائز المهمة في تصميم الأزياء ومن أبرز هذه الأسماء : Craig Green (جائزة أفضل مصمم بريطاني 2016)، Iris Van Herpen (جائزة أندام) ذات البرستيج العالي، Wanda Nylon (جائزة أندام 2016) ، Facetasm (مرشح لجائزة LVM) وغيرهم، وما زلت مستمرة في التعاون مع العلامات العالمية، وحاليا أدير علامات جديدة في كوريا وسنغافورة وبلجيكا في طور تطوير علاماتهم للوصول إلى مستوى الانتشار العالمي، أما على الصعيد المحلي، فإنني أركز على المواهب العربية والمحلية، وأراهن الآن على مجموعة من الأسماء الناشئة الذين أتعاون معهم الآن على استراتيجيات التطوير وتنفيذ نموذج عمل متكامل ومتميز، مركزة على الطموح العالمي، والنتاج هو تبادل ثقافي وفني للمواهب الناشئة عبر تسويق العلامات الدولية محليا ونشر العلامات العربية عالميا.
حدثينا عن أبرز التحديات التي تواجه المصممين الناشئين.
المصمم بطبيعته يتميز بالإبداع والخيال، لذلك قد يفتقر إلى مهارات الإدارة والتسويق وغيرها، وقد شكلت شراكة استراتيجية مع خبير عالمي هو مراد بن عياد من فرنسا، والذي وله خبرة طويلة في إدارة الأعمال والتمويل، وعمل مع ماركات عالمية مختلفة مثل مايكل كورس وغيرها، ومعا نواجه هذا التحدي المتمثل في ضعف الإدارة و نوازن الجانب الإبداعي و التجاري ليصبح العمل مثمرا على جميع الصُعُد.
هناك تحدٍّ شائع آخر هو الافتقار للهوية المتميزة، حيث نرى الكثير من المصممين يقدمون تصاميم مكررة ولا تبرز بصمة واضحة لهم، وأحد أهم أهداف إدارة العلامات هو العمل على خلق بصمة تميز المصمم وتبعده عن النمطية، فالساحة مليئة بالأسماء المتنوعة والظهور مشروط بالتميز. وأحد التحديات التي ألاحظها في المصممين المحليين هو اقتصارهم على السوق المحلي فقط، بينما نركز في البرنامج على فتح أبواب جديدة للتجارة، واستهداف الأسواق ذات الإمكانية الكبيرة والتي تتناغم مع تصاميمهم.
ما أبرز الأسواق العالمية التي تركزين عليها؟
لدي خبرات في إطلاق العلامات في الولايات المتحدة وأسواق اليابان، وروسيا المحبة للموضة المتجددة، والآن أركز كثيرا على سوق الصين، فشهرة الصين الآن تغيرت من سور الصين العظيم إلى سوق الصين العظيم، وبرزت خلال العقد الأخير قوة شرائية عملاقة قلبت الموازين وشكلت حافزا كبيرا للكثير من الماركات لاستهدافها بشكل كبير، وتشمل استراتيجيتي في إدارة العلامات استهداف سوق الصين مرورا بباريس باعتبارها من المحطات الاستراتيجية لجذب المستهلك الصيني، ولدعم هذا الهدف أسست شراكات في باريس مع نخبة من صالات عرض المصممين showrooms، ووكالات العلاقات العامة وخبراء في مجال الموضة لدعم انتشار المصمم الناشئ على الصُعُد كافة، وقدمت الشهر الماضي ورشة عمل بالتعاون مع مجلس دبي للتصميم والأزياء تحت عنوان “استراتيجية التجارة مع سوق الصين للعلامات المحلية” بالتزامن مع رأس السنة الصينية لأعزز أهمية سوق الصين وإمكانياته العظمى، وأشجع المصممين المحليين على اغتنام هذه الفرصة واستهداف هذا السوق.
أنت دائما متعددة الأسفار بين عواصم الموضة في باريس ولندن وميلانو وغيرها..
نعم، أنا كثيرة التواجد في باريس نظرا لأشغالي وخصوصا أنني أسست شراكات في باريس لقسم إدارة العلامات في باريس، وأسفاري مصدر إلهامي إضافة إلى كونها فرصة لاكتشاف المواهب الشابة، وعقب عودتي أزوِّد المصممين المشاركين في إدارة العلامات بآخر مستجدات الموضة عالميا وأطلعهم على بعض المصادر المفيدة والأسماء التي ينبغي الاطلاع عليها لأخذ الإلهام والتعلم من تجاربهم.
أسفاري أيضا أتاحت لي فرصة بناء شبكة منتقاة من الخبراء والمختصين في مجالات مختلفة من الإدارة والتسويق وتصميم الأزياء والذين أخوض معهم حوارات مفيدة ونقاشات لتطوير مهارات المصممين في ظل تغيرات العصر.
ما أبرز الصيحات التي ينبغي على المصممين الاطلاع عليها؟
أنا دوما أشجع مصممي الأزياء على متابعة الصيحات ليس فقط على مستوى الموضة، وإنما على مستوى المستقبل واحتياجات الفرد والمجتمع المتجددة، فمثلا الاستدامة هي إحدى الممارسات التي طرحناها مع بعض المصممين المشاركين في برنامج الكارتل لإدارة العلامات والتي غدت ظاهرة مهمة وسريعة الانتشار، وهنالك الكثير من العلامات العالمية مثل ستيلا مكارتني التي باتت رائدة في هذا المجال.
التكنولوجيا هي أيضا إحدى الممارسات التي باتت في غاية الأهمية، ومن خلال تجاربنا في إدارة العلامات نطلع المصممين على أحدث آليات التكنولوجيا التي يمكن دمجها مع تصميم الأزياء لا لتغدو وسيلة لتسهيل الإنتاجية فحسب، بل لتصبح أيضا عنصرا مهما في إضافة بصمة عصرية للمصمم. الاستدامة والتكنولوجيا في تصميم الأزياء من أهم التوجهات التي نشجع مصممي الأزياء عليها.
ما خططكم لدعم المرأة السعودية؟
المرأة السعودية هي رائدة في مجال الذوق والأناقة ومتابعة لكل جديد، ونحن ندعمها سواء كانت مستهلكة أو منتجة. على الصعيد الاستهلاكي نحرص على تزويد المرأة السعودية بأفضل التصاميم وأكثرها عصرية وأناقة، والتي تلائم أيضا ذوقها الذي يجمع الاحتشام والأناقة. أما على الصعيد الإنتاجي فنحن ندعم المصممين السعوديين ونعمل حاليا مع مجموعة متميزة من المصممات عبر برنامج إدارة العلامات لإطلاقهن عالميا عبر أسبوع الموضة في باريس هذا العام، وتزويدهن بالخبرات والمهارات اللازمة لبناء علامة مميزة وناجحة.
نحن نعيش أحد أهم المراحل الزمنية في تاريخ المصممة السعودية، وينبغي الاستفادة من الفرص الجميلة التي تواردت حاليا لدعم المرأة السعودية لإبرازها أكثر وتسليط الضوء على الموهبة السعودية.
للتواصل مع مي بربر