إدواردو كاوفيلا في حوار ممتع مع عدنان الكاتب
إيطاليا ـ عدنان الكاتبAdnan AlKateb
في بلدة فييسو دارتيكو في منطقة فينيتو الإيطالية المشهورة بالصناعة اليدوية للأحذية النسائية الفاخرة، حاورت في هذا اللقاء الشائق الشاب المبدع “إدواردو كاوفيلا” Edoardo Caovilla الرئيس التنفيذي لدار “رينيه كاوفيلا” René Caovilla ومديرها الإبداعي الذي أحدث تغييرات جذرية، دفعت الدار إلى الأمام منذ أن تولى قيادتها سنة 2013، وتحدثت معه عن الناحية التجارية والناحية الإبداعية، وعن تاريخ الدار ومستقبلها، واستمعت إلى نصائحه للمرأة الشرق أوسطية حول اختيار حذائها، وأطلعني حصريا على النماذج الأولية لطقم من حذاء ومجوهرات مطابقة ستطلقه الدار في المستقبل .. باختصار أقول: إن هذا الشاب الرائع الذي استقبلني في بيت العائلة وفي الدار الإيطالية الشهيرة التي أسستها عائلته، يملك موهبة إبداعية وقيادية أهّلته عن جدارة ليحمل إرث هذه العائلة العريقة ويسير بها إلى مستقبل مشرق.
منذ أكثر من ثمانين عاما، تتلألأ أحذية “رينيه كاوفيلا”René Caovilla في سماء الإكسسوارات النسائية الأكثر فخامة، وحصدت إعجاب نجمات كثيرات من بيونسي وجينيفر لوبيز إلى تيلور سويفت وجيجي وبيلا حديد. وقد تعاونت الدار سابقا مع دور أزياء كبيرة وصممت أحذية لها، ومنها “فالنتينو” و”ديور” و”شانيل”.
في هذه البلدة الإيطالية الصغيرة “فييسو دارتيكو”، تتحوّل تصاميم إحدى أقدم دور الأحذية الفاخرة في العالم إلى جواهر ترصع الأقدام بزخرفات معقدة وأحجار متألقة وتطريزات فخمة.
ونادرة هي الدور التي استطاعت الحفاظ على إرثها وعلى مستوى الحرفية نفسه عبر عقود، لكن “رينيه كاوفيلا” المعروفة بماركة “الصنادل الجواهر” لا تزال تجمع في كل ما تقدمه بين الفن الخالص والحرفية الفاخرة.
في عالمنا العربي تحب النساء القطع الفريدة والتصاميم الحصرية. هل من الممكن أن نراكم تصممون قطعا حصرية للشرق الأوسط؟
نفكر منذ فترة في تصميم مجموعة كبسولة جديدة ستكون موجودة حصريا لدى “ليفل ملتقى الأحذية” Level Shoes في دبي. وهذا أمر مهم جدا اليوم مع وجود الإنترنت والتجارة الإلكترونية. فإذا لم يكن لدى البائعين شركاء يسمحون لهم بالحصول على أشياء حصرية، فستقضي عليهم الإنترنت. المنتجات صارت سهلة التوفر اليوم، وإذا كانت الأسواق هي نفسها تماما في أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا، فستبدأ حرب الحسومات ويتقلص هامش الربح.
هنا لدينا مرونة كبيرة تسمح لي بالابتكار. من ناحية التصميم، إنه استثمار كبير لأنه علي أن أسمح لكل المجموعات بأن تكون مرتبطة بالإحساس نفسه وبالمزاج نفسه، لكنه علي في الوقت نفسه أن أضمن في كل متجر أن تكون 50 في المئة من المنتجات حصرية لهذا المتجر.
باعتباركم شركة عائلية إيطالية، كيف تبعثون رسالتكم حول العالم؟
نحقق نموا جيدا جدا. ولدينا في الواقع عدد قليل محدود من الشركاء حول العالم. عائلتنا تملك شركات وأعمالا كثيرة من القطاع المصرفي إلى التأمين، والعقارات، والزراعة، والطاقة المتجددة، وتحويل النفايات إلى طاقة، والموضة طبعا. والموضة ليست الجزء الأكبر من أعمالنا، لذلك عليّ أن أتعاون مع بعض الشركاء حول العالم الذين يفهمون الاتجاه الذي أذهب فيه ويشاركوننا استراتيجيتنا.
نحن وشركاؤنا مستعدّون دائما للتواصل والتفاعل والفهم المتبادل والتعلم المتبادل من بعضنا البعض.
عملتم سابقا مع دور أزياء شهيرة مثل “فالنتينو” و”ديور” و”شانيل”. ألم تعودوا بحاجة إلى ذلك؟
أوقفنا هذا التعاون سنة 1999. وكانت في الأساس نتيجة لعلاقات والدي مع هذه الأسماء وصداقاته. وما زالت هذه الصداقات القوية تجمعني بالرؤساء التنفيذيين في الكثير من تلك الدور.
العمل شيء، والصداقة شيء آخر ..
طبعا. أنا نوعا ما شخصية قديمة عتيقة على الساحة لأنني بدأت العمل مع والدي سنة 1992. كنت بعمر 16 سنة وقتها. كنت أذهب مع والدي إلى كل عروض الدور مثل “ديور” و”فالنتينو” و”شانيل” و”رالف لورين”.
أعرف السيد جورجيو أرماني مثلا منذ أن كنت طفلا وأعرف السيد فالنتينو والسيد رالف لورين الذي التقيته حين كان في الخمسين من عمره.
إذا كبرت وترعرعت في هذه الصناعة، وهؤلاء الأسماء أصدقاء لنا. اليوم تتغير أبعاد التجارة. نحافظ على علاقات مع الجميع، فإيطاليا بلد صغير ومن المستحيل تفادي الغير. كلنا سعداء عندما نلتقي. أمس مثلا كنت مع الرئيس التنفيذي الجديد لـ “كافالي”. نتشارك الرأي والاحترام لبعضنا لأن السوق كبير. لم يعد الزمن ملائما للتقليد لأن الحمض النووي لكل ماركة واضح جدا.
هل هناك من قلّدكم عبر السنين؟
نعم، لكن زبائننا مع الوقت استطاعوا إدراك الفرق وتمييزه. كان لا بد من أن يحصل ذلك. والدي منذ الستينيات قرر أن يدير الشركة بنفسه وأن يبقيها صغيرة ليستمتع بحياته.
أراد من خلالها أن يظهر للعالم جمال الأشياء التي كان يصممها، ولم يهتم لأخذ الشركة في بعد كبير لأنه كان يحصد مردودا عاليا من قطاعات المصارف والعقارات وغيرها.
ليست بالمهمة السهلة أن تتولى عرش شركة عائلية تاريخية، وتحافظ على مكانتها. هل استطعت أن تكيّف رؤيتك للشركة مع هذه المسؤولية؟
نعم، طبعا هناك مجازفة. ولدت في عائلة محظوظة. على الأرجح ستصبح الشركة يوما مدرجة في البورصة. أريد أن أبقي 70 في المئة من الملكية باسم العائلة دائما، ثم نلعب اللعبة بقواعد هذا القرن. لدينا كل شيء. ما علينا فعله فقط هو أن نستمر في التطور، ونبقى عصريين، ونقابل حاجات زبائننا ونفهمهم ونفهم ما يبحث عنه الجيل الجديد.
كنت دائما أقول لفريق العمل إن عالم البيع بالتجزئة كان مكانا للصفقات التجارية، أما اليوم فهو مكان لتأسيس العلاقات البشرية. حين تطوّر علاقة، يمكنك أن تفعل ما تريده من البيع إلى التأجير وإلى آخره. أحب هذا الجيل لأنه لم يعد يسألك ماذا تفعل أو كيف تفعل، بل هو يسألك لماذا تفعل ما تفعله. إنه سؤال مختلف نسأله اليوم في قطاع الأزياء.
لماذا تفعل ما تفعله اليوم؟
أحب أن أسمي هذا الدافع بـ “الهدف التحويلي الكبير” massive transformative purpose، وهو السبب الحقيقي الذي يدفعك إلى فعل ما تفعله. السبب بالنسبة إلي بدأ حين كنت مراهقا بعمر 16 أو 17 سنة وسافرت مع جدي (والد أمي) الذي كان أيضا يعمل في مجال الأحذية إلى أفريقيا، بهدف صنع الأعضاء الاصطناعية للأولاد المصابين بشلل الأطفال. وأتذكر كيف كانوا يأتون إلى المستشفى حيث كنّا، ولن أنسى عيونهم حين يمشون للمرة الأولى والحياة في أرجلهم. وأنا بكل صراحة أدير هذه الشركة لأحقق النجاح وأستعمل هذا النجاح كبوابة لأعود إلى هناك وأفعل ذلك من جديد مع أولادي وبطريقة مختلفة .. وخلف النجاح دائما أسباب كثيرة لكن لا يمكن أن يكون أحد هذه الأسباب المال أو المظهر أو الشهرة.
هذه هي الطريقة التي أسعى من خلالها إلى دفع شركتي إلى الأمام وتوجيهها. وهذا أهم من المال.
تحدّثت عن العلاقات البشرية. هل تربطكم علاقات بمشاهير ونجمات؟
نعم، تجمعنا علاقات وصداقات جيدة مع نجمات كثيرات. جيجي حديد مثلا انتعلت حديثا تصميما من “كاوفيلا”. العلاقات الإنسانية اليوم مهمة جدا.
كم عدد الأشخاص الذين يعملون في شركتكم اليوم؟
كنّا فريقا من 40 شخصا. اليوم نحن 150 فردا.
سمعت أن إنجاز كل قطعة يتطلب أكثر من ثماني ساعات. هل هذا يعني أنكم تنفذون عددا محدودا من القطع شهريا؟
حين وصلت إلى الشركة، كنا نقدم 25000 قطعة في السنة، والآن وصلنا إلى ما بين مئة ألف ومئة وعشرة آلاف سنويا. ومن ناحية الأسعار، لدينا طبعا نقاط سعر معينة. بين الماركات المتخصصة في الأحذية والماركات الضخمة، هناك في المركز الثاني “مانولو” بسعر أقل بنسبة 28 في المئة. والماركات الباقية أرخص بنسب تتراوح بين 30 و45 في المئة. أنا فخور وسعيد بمكانة منتجاتنا التي تعكس اهتمامنا الكبير بكل التفاصيل حتى أصغرها.
كيف تستطيعون منافسة الأسماء الكبيرة التي تسيطر على حصص كبيرة من السوق؟
الثبات مهم جدا، ومن أبرز الأمثلة على ذلك السيد رالف لورين. ندخل حتى إلى مطعم “بولو بار”، ونعرف فورا أن هذا جزء من عالم “رالف لورين”. هذه الدار لطالما ارتكزت على الخيل والسيارات والبيوت الريفية.
من أجمل خصائص “رينيه كاوفيلا” أننا نعمل في قطاعات مختلفة، فتتعدد جوانب أعمالنا. لدينا مثلا مزرعة كبيرة في توسكانا على أرض كانت ديرا في القرن الثاني عشر، وهو مكان تستمتع فيه بالبيئة وألوان الطبيعة في الفصول المختلفة. إذا، هناك جوانب عديدة مختلفة من عائلتي.
تخصصت في الإدارة المالية. كيف دخلت عالم التصميم؟ هل لطالما كانت لديك مواهب فنية؟
قبل أن أكون مديرا إبداعيا، كنت أعبّر عن حسي الإبداعي بطرق مختلفة. فصممت بنفسي مثلا يختي ومنازلي في ميلانو بكل تفاصيلها وخطوطها. كما أطهو وأعزف البيانو. وهذا الإبداع موهبة ضرورية لكسب ثقة زبائننا. وفي الحقيقة، إن أول وظيفة توليتها كانت في صحيفة يومية كنّا نملكها. كانت تحصد 85 في المئة من القرّاء في شمال شرق إيطاليا، واشتراها والدي سنة 1981 وأدارها بشكل مربح. ثم في بداية القرن الحالي، أتت موجة الإنترنت فبعناها لشركة إيطالية. فإذا لم تنجح في إدارة الرابط بين الإنترنت والمطبوعة بالطريقة الصحيحة، فقد تخسر.
لنتحدث عن عائلتك. ماذا اكتسبت من والدتك؟ هل من نصيحة قدمتها إليك تتذكرها؟
أتمنى أن أكون قد أخذت ذوقها السليم، فبلا شك ذوقها راقٍ ورفيع. وأعتقد أن أهم نصيحة علمتني إياها هي أن الجمال في البساطة.
ومن والدك؟
تعلّمت منه أن أعتني بكل التفاصيل وأخلق لغزا. علّمني والدي أن أستوحي من كل شيء حولي وآخذ الأفكار من كل مكان، مثل هذه الطاولة أو ذلك الجدار أو الحديقة الخارجية.
هل تتذكر أول حذاء صممته؟ كيف كان؟
نعم، كان ذلك يوم 9 نوفمبر سنة 2000. ربما اليوم سيعتبر ذلك التصميم مبالغا بعض الشيء. أدركت وقتها أهمية تصاميم والدي الذي كان يقدم الروائع خلال عقود، وكان والدي قد صار كبيرا في السن والزبائن يصيرون يوما بعد يوم أصغر سنا. في الوسط، تكمن قدرات الشركة. ومنذ البداية قدّرت قدرة حرفيينا الهائلة على ترجمة التصاميم وتحويلها إلى حقيقة.
هل ستواصلون التركيز على الأحذية النسائية فقط؟ هل من مشروع لأحذية رجالية؟
لا لن نصصم أحذية رجالية، فكاوفيلا ماركة نسائية جذابة وجميلة وأنيقة. أستطيع أن أصمم الأحذية فقط وأنا أفكر في النساء. لقب أحذيتنا المعروف هو “الصنادل الجواهر” لأنها مرصعة بالأحجار المختلفة، وأنا تدربت على صناعة المجوهرات ولدينا اليوم بعض النماذج الأولية. أنا فخور جدا بأنه لدينا بين 15 و17 تصميما يستمر في تقديم أداء جيد في السوق منذ أكثر من 15 سنة. ولدينا طبعا في كل موسم مجموعة جديدة تسلط الضوء على قدرتنا في الإبداع وموهبتنا في تطوير الأشكال.
هل من الممكن أن نرى منكم مثلا أطقما من حذاء وقطعة مجوهرات مطابقة؟
بدأنا العمل على هذا المشروع وتنفيذ نموذج مبدئي. لكنني أدرك أن تمديد مجال عملنا سيف ذو حدّين، فقد يكون خطوة جيدة إذا استطعنا تنفيذ الفئات الجديدة بالمستوى ذاته وبشكل ينفع الجزء الأساسي من شركتنا. وإلا فستكون النتائج عكس ما نرجو. لكن علي أن أتأكد من أن فريق العمل ينتج قطع مجوهرات مثالية كما يفعل مع الأحذية. لأنه إذا انطلقنا في هذا المجال، لا يمكننا التوقف.
من أين تحصلون على المواد والأحجار المستعملة في أحذيتكم؟
الأمر يعتمد على المادة. الجلد مثلا نأتي به من إيطاليا، والمخرمات من فرنسا، والأحجار من سواروفسكي.
نحن الزبون الأوروبي الأقدم لدار سواروفسكي، وفي فئة الإكسسوارات نحن ثاني أقدم زبون.
ما رسالتك إلى المرأة الشرق أوسطية؟ لماذا ستشتري أحذيتك؟
لأن المرأة الشرق أوسطية برأيي من النساء اللواتي يملكن إمكانيات أكبر في إظهار شخصيتهن. وأعتقد حقا أن الأحذية طريقة للتعبير مثل الساعات والسيارات عند الرجال عموما. فالمرأة تتدخل بخطوات تصميم حذائها. والحذاء يرتبط بعباءة وأزياء وإطلالة المرأة العربية ويعبّر عن شخصيتها. ونحن من الماركات المفعمة بالحياة والألوان التي تستطيع حقا أن تظهر إبداعها.
هل من طلب غريب تلقيته من إحدى زبوناتك؟
نفذنا مرة حذاء طلبته أميرة من الشرق الأوسط يحتوي على أحجار حقيقية منها الماس والتوباز والياقوت.
ما نصيحتك للمرأة الشرق أوسطية حول اختيار حذاء؟
نحن في صدد إطلاق مشروع أسمّيه “تعلم المنتج”. الزبائن اليوم خاصة من الجيل الجديد يريدون أن يعرفوا ما إذا كانوا يشترون أحذية ذات جودة حقيقية أم لا. وهذا المشروع سيساعدهم على التمييز والتقدير الصحيح. إذا لم تكن متخصصا في الأحذية، يمكنك أن تقيّم جمال الحذاء في نظرك. لكن حان الوقت اليوم للزبون أن يفهم حقا النوعية والجودة والحرفية والفنية.
أحذية “رينيه كاوفيلا” معروفة بزخرفاتها وأحجارها. المرأة اليوم تهتم إلى جانب أناقتها براحتها وسهولة تحركها. هل أحذيتكم مريحة؟
نصف منتجاتنا هي أحذية مسطحة. نحن من الشركات القائدة للسوق في مجال الأحذية المسطحة. الشركة ولدت مع أحذية بكعوب عالية رفيعة. لكننا اليوم نقدم أيضا جزمات الدراج، والأحذية الرياضية، وأحذية الركض، والإسبادري، والأحذية العسكرية وغيرها. وهي تحقق مبيعات رائعة. في بداية عملي مع الشركة، طلبت من فريق العمل أن يتخلى عن كل شيء لنعود إلى المركز الأول في الصنادل ذات الكعوب العالية الرفيعة. ولموسمين أو ثلاثة، لم نقدم سوى الصنادل العالية الكعب. حين استعدنا كسب ثقة السوق في الصنادل، توسعنا تدريجيا. فبدأنا بتقديم كعب “الهرّة” القصير، والأحذية الرسمية، والأحذية الرياضية، والإسبادري، وأحذية التدريب، وجزمات المطر وغيرها. نحن محظوظون بزبائن مغرمين بالماركة وبأن نكون في قلوبهم، ونزيد نقاط الاتصال معهم كل يوم. تهتم نساء الجيل الجديد بالعائلة والعمل، ويستيقظن صباحا ويمارسن تمارينهن الرياضية ويذهبن إلى العمل ويستمتعن مع صديقاتهن ثم يعدن إلى أولادهن وأزواجهن أو إلى بيوتهن وحدهن. ويردن دائما أن يكنّ جذابات. لذلك علينا تغطية كل حاجاتهن، فلا يمكننا أن نبيع فقط الصنادل العالية الكعب، فهذا ليس النهج الصحيح لعلامتنا.